ارتفاع الأسعار ليس حكراً على الحاجات الأساسيّة، بل تعدّاها إلى الكماليّات والسلع الثانوية. والارتفاع المتزايد لسعر الذهب قابله تراجع في الإقبال على شرائه من جهة، وتزايد عرض الناس المقتنى لديهم للبيع من جهة ثانية... كيف ينعكس ذلك على توازن السوق وديمومة المعامل؟
نغم جوني

كانت بلدة رومين في قضاء إقليم التفاح تعدّ نموذجاً للبلدات المصنّعة للذهب، أو المعاد تصنيعه وترميمه. وكانت تضم ثلاثة معامل للذهب. إلّا أنّ أحدها، وبسبب تراجع نسبة توافد الزبائن إليه، أقفل أبوابه ونقل معداته وممتلكاته إلى مدينة صور، فيما حدّد آخر مهماته وهي شراء كسر من الناس والتجّار، وبقي الثالث يعاني، رغم قسوة الاستمرار بسبب الارتفاع العالمي الجائر في سعر الذهب وتراجع الناس عن شرائه.
صاحب هذا المعمل الأخير، علي مكي، يشير في حديث لـ«الأخبار»، إلى أنّ «تصنيع الذهب تراجع بنسبة 50 في المئة عمّا كان عليه سابقاً... وقلّة إقبال الناس على شرائه يمثّل عامل إحباط لنا. فمن قبل كانت مدخرات الناس عبارة عن ذهب، أمّا الآن فيكاد رب العائلة لا يستطيع أن يؤمن الحاجات الأساسية له ولعائلته، فنتج من ذلك إقلاع الناس عن اقتناء الذهب، وأصبح من يملك قطعة منه يستغل فرصة ارتفاع سعره ليبيعها ويكسب مزيداً من المال».
في العادة، يتماشى التصنيع مع نسبة الطلب، فالعمل في الذهب بحسب مكّي، «تحوّل من التصنيع إلى إصلاح بعض القطع المستعملة، أو تبديل قطعة قديمة بأخرى جديدة... وصرنا ننتظر الزبون كي يعطينا مواصفات القطعة التي يرغب بها لنصنّعها له. وبعيداً عن القيمة الجمالية للذهب، أضحى الناس يبتعدون عنه تدريجياً، وحلّ محلّه الأكسسوار والفضة، لأنّهما أقلّ سعراً، ونظراً للتشابه بينهما وبين الذهب الأبيض... حتى إنّ الزبون أصبح يؤثر طلي الفضة بالذهب».
ويلفت مكّي إلى أنّ سعر الذهب يُحدّد بحسب سعر الأونصة. فلكي يصبح الذهب الصافي عيار 24 قيراطاً، عيار 21 قيراطاً، تضاف إليه نسبة الثلث من الفضة ونسبة الثلثين من النحاس. ويُحدّد سعر الغرام الواحد منه بـ25 دولاراً من دون صياغة، و28 دولاراً مع صياغة. أمّا عيار 18 قيراطاً فسعر الغرام منه 21 دولاراً من دون صياغة و25 دولاراً مع صياغة. كما يدخل عامل آخر في تحديد سعر القطعة هو طريقة صنعها، «فصناعة الليرة تكون تكلفتها أكبر من تكلفة صناعة الخاتم مثلاً».
وتختلف أنواع الذهب بين ما هو وطني وما هو إيطالي. والناس عادة تؤثر النوع الأخير على غيره، رغم أنّ سعره أعلى من سعر الذهب الوطني، لأنّ كمية الفضة الموضوعة في الذهب الإيطالي تعطيه لوناً نقياً على عكس الذهب الوطني.
وفي الجنوب، تتمّ عمليّة شراء سبائك الذهب عبر تجار صيدا وصور من خلال بيروت، وخصوصاً الأرمن منهم. والأولويّة في الصناعة تعود في استخدام القوالب الجاهزة والاعتماد على الرسم فقط في صناعة الأسماء والحروف. إلّا أنّ إدخال النقش على القطعة يزيد من رغبة الشاري، كذلك «الدَّقة» الخليجية، التي أدخلت على الأساور و«المباريم» بعدما كانت تتميز بشكلها الخالي من أيّ نقش.
غير أنّ المهمّ، بعيداً عن العوامل الجماليّة والتقنيّة، هو أنّ صناعة الذهب تتّجه لتصبح مهنة لا يعوّل عليها التاجر جنوباً، لأنّ عمليّة التصدير تبقى حكراً على من يمتلك الرصيد الأكبر من الذهب والمال.