البقاع ـ أسامة القادري جزين ـ مريانا نصر

•الليمون والخُضَر والمواشي والأشجار المثمرة والنحل... كلها ضحايا «الصقيع»
بعد محاصرة «الأبيض» لقراهم، وجد سكان البقاع وجزين، مثل المناطق الأخرى، مواسمهم «مقتولة» بما يفوق قدرتهم على تحمل أعبائها، وهم لم يردّوا بعد ديون الموسم الماضي حين أتت الحرب وتداعياتها عليه، الليمون والخُضَر والمواشي والأشجار المثمرة والنحل... كلها ضحايا «مجزرة الأبيض»

انحسرت العاصفة الثلجية... وبدأ يوم آخر بالنسبة للمزارعين، ففي البقاع اكتشفوا فداحة الخسائر الناتجة من العاصفة بعدما ضرب الصقيع والجليد المزروعات على مدى عشرين يوماً، إذ تلفَت مساحات واسعة مزروعة بالخُضَر بأكملها «على مد عينك والنظر»، أما الخسائر التي لحقت بالنحل فتجاوزت الـ50 في المئة من قفران النحل. وكان للزيتون والصنوبر أيضاً حصتهما من ثقل الثلوج على أغصانها فتكسّرت، ونفق الكثير من المواشي في راشيا الوادي.

الخسارة تُغرق

للوقوف على حقائق هذه الكارثة التي لم تبدأ الدولة بعد بإحصاء تفاصيلها تمهيداً للتعويض على المزارعين، جالت «الأخبار» على بعض قرى البقاع الأوسط وصولاً إلى الجزء الأكبر من قرى البقاع الغربي وراشيا الوادي.
«غالبية المزارعين سيدخلون السجن» هكذا كان لسان حال مزارع الخُضَر والقمح سامي القرعوني الذي عليه سندات تستحق بسبب القروض للمزارعين، ويسأل «كيف أسدّد هذه السندات وأنا غارق بالخسارة؟»، يتابع متنهداً «ما بيطلع من الأرض شي غير العفن والدود، خسارتنا كبيرة والديون علينا أكبر... ما حدا بيعوض».
لكن أحمد ياسين توجه إلى الدولة مباشرة «ألم يحن الوقت لتعرف فيه الدولة قيمة المزارع والإنتاج اللبناني؟»، خصوصاً أن الخُضَر المستوردة «أسهمت في موجة الغلاء الفاحش بسبب الكوارث التي حلّت بالزراعات الوطنية»، لافتاً إلى خسارته الكبرى في موسم اللوبياء الذي ضربته العاصفة إذ كان يزرع نحو 70 دونماً أُتلفت كلها، معتبراً أن هذا ساعد في ارتفاع سعر كيلوغرام اللوبياء إلى 7 آلاف ليرة.

الأدوية الزراعية

وقال نصير سعيد إن نسبة خسارته من موجة الصقيع بلغت 80 في المئة من أصل 800 دونم مزروعة، نصفها قمح والآخر ثوم وبصل، مشيراً إلى أن جميع المركبات الكميائية من أدوية ونترات «رغم كلفتها المرتفعة» لم تنفع في محاولات إنقاذ الإنتاج. وأوضح أن كلفة كل دونم بصل وثوم تفوق ألف دولار أميركي. وطالب سعيد وزارة الزراعة بالقيام بواجباتها تجاه المزارع وإرشاده وتأمين الأدوية اللازمة، حتى لا يكون ضحية سماسرة الأدوية الزراعية وتجّارها الذين لا يهتمون إلا ببيع الأدوية الفاسدة غير المنسجمة مع نوع التربة.

الصقيع قَتَل النحل

في بلدة عميق في البقاع الغربي يعتمد ساسين شاهين على تربية النحل مصدراً أساسياً لدخله، فهو يملك 70 قفيراً تأكل من جرود عميق، وبلغت خسارته من الصقيع والثلج 30 خلية أو ما يساوي 10 آلاف دولار، إضافة إلى خسائر «ضعف قدرة خلية النحل على إنتاج العسل»، علماً أنه حاول إنقاذها «عبر توفير الطعام الذي يكفيها لمدة أسبوع، إلا أن الصقيع كان أقوى»، مشيراً إلى أن الدعم الوحيد الذي حصل عليه كان أدوية منتهية الصلاحية، وقد أدّى سابقاً إلى نفق كثير من خلايا النحل.
ونفَقَ لدى عدنان هواري الذي يملك مئتي قفير نحل في جرود عانا أكثر من 80 خلية «لا يستطيع النحل الخروج في أوقات البرد ويلتفّ حول بعضه، وفي هذه الحالة يموت من الجوع أو من البرد».

الثلج «يخلَع» الأغصان

الزيتون ليس أفضل حالًا، ورغم كونه لم يزهّر بعد إلا أن الثلج بحسب جورج كشاشة، يؤثر على الموسم لأنه يثقل أغصان الشجر ويكسرها، وخصوصاً أن شجر الزيتون يكون عادة في مناطق جبلية، وأيضاً كانت هذه حال ذياب مدور الذي يرى أن خسارته من تكسّر شجر الصنوبر كبيرة وقد بلغت 30 في المئة من الأشجار لديه، وقال «تحتاج شجرة الصنوبر إلى ثلاث سنوات لتستعيد نمو أغصانها المكسّرة»، لافتاً إلى قلقه على موسم القمح «سيكون الإنتاج فيه ضئيلاً»، ويأمل ألا يأتي يوم يفقد فيه لبنان المزارعين بسبب «غياب الهيئة العليا للإغاثة».
وتفاوتت خسارة مربي المواشي في البقاع الغربي وراشيا الوادي بين راعٍ وآخر، فقد خسر قاسم بيضون «مئة جدي نفقت بسبب الصقيع والبرد في داخل بطن أمها. والماعز في فصل الشتاء لا تدر الحليب ونحن نعتمد على بيع صغارها»، وتتوزع شكاوى مربي المواشي على قرى دير العشاير وعيحا وكفرقوق...

مواسم جزّين

وخلّفت العاصفة في جزين خسائر كبيرة، إذ أدّت إلى تلف جزء كبير من موسم الليمون في مناطق شرق صيدا وإنتاج البيوت البلاستيكية أيضاً. أما بالنسبة للأحراش وبساتين الزيتون فقد كان وقْع العاصفة عليها قوياً، إذ تكسّرت أغصان الأشجار المثمرة والحرجية بسبب سرعة الرياح وكثافة الثلوج التي تجاوزت تسعين سنتيمتراً، وسقطت مواسم الصنوبر أرضاً...
وانهمك مزارعو جزين في جمع الحطب تحسّباً للعاصفة المقبلة لأنه ليس في إمكانهم تحمّل مصاريف المازوت للتدفئة، مطالبين بمسح الأضرار ودفع التعويضات المنصفة، وخصوصاً أن الأجهزة الرسمية اعتادت «تطويل» فترة الكشف للقول إنه لا يمكن تحديد الأضرار التي انحسرت آثارها. في المقابل كاد نشاط الحركة السياحية في المنطقة يطغى على مشهد الأضرار التي تكبّدها القطاع الزراعي، فقد غصّت المقاهي والمطاعم والطرقات بالزوار الذين قصدوا «عروسة الشلال» من مختلف المناطق الجنوبية، ولا سيما من أبناء مدينة صيدا.

أين هيئة الإغاثة؟

المشترَك بين جميع المزارعين أنهم استغربوا غياب الهيئة العليا للإغاثة عن إحصاء أضرارهم، متسائلين كيف سيعوّض عليهم؟ ويشير محمد المحنطو إلى خسارة ألفي دونم مزروعة باللوبياء والخس والملفوف «شو بتنتظر تكون الحال بعد الصقيع والثلج؟». وفيما يقدّر خسارته بما يتجاوز مئات آلاف الدولارات، يرسم على وجهه ابتسامة صفراء مجيباً «هل دفعت الدولة أضرار حرب تموز حتى تدفع أضرار الكوارث الطبيعية؟».
أبو عطوي حاول التعاطي مع الخسارة من زاوية أخرى وبدأ بتقطيع الملفوف التالف وعزل الأجزاء المتعفنة «لنبيع الأجزاء الجيدة للمواشي، والقفص الكبير بألف ليرة فقط»، فهو قد وقع تحت وطأة الدين لأنه ضَمنَ 40 دونماً من الملفوف والخس والبقدونس والقنبيط. غير أن ضمان الأرض تضاف إليه أجرة الحراثة وثمن السماد المرتفع بجنون... وكلفة المحروقات، كل هذا يدفع المزارع إلى أن يكون «كافراً بالدولة، ألا يكفي غيابها حتى تجرؤ علينا الطبيعةأيضاً».
حتى اليوم لا رقم دقيقاً عن خسائر المزارعين جراء العاصفة، ورأى رئيس نقابة العمال الزراعيين في لبنان حسن عباس أن المزارع لا يمكنه تحمل الأضرار الجسيمة، مشيراً إلى مسؤولية الهيئة العليا للإغاثة «لا تندهي ما في حدا، فالحكومة لا تضع الزراعة على رأس أولوياتها، ابتداء من ارتفاع الاكلاف وصولاً إلى الحماية من العوامل الطبيعية... وأعلن استعداد النقابة لإجراء مسح شامل للأضرار بالتعاون مع وزارة الزراعة والهيئة العليا، إذا عزمت الحكومة على دفع التعويضات، لا كما حصل على إثر حرب تموز ووعودها الكاذبة.



تقاعس مقصود

راهن مزارعو لبنان على هذا الموسم لتعويض تكاليف «تدفئة الشتاء» المرتفعة، لكن لم يطل الأمر بعدما أطلت العاصفة برأسها حتى أدرك المزارعون أن موسم الشتاء سيكون قاسياً ومؤلماً، فلم يكد الثلج يذوب حتى بدأت الكوارث تتكشّف، وفيما لا يزال الإحصاء الدقيق للأضرار غائباً لم تعمد الهيئة العليا للإغاثة إلى مسح الأضرار التي تقدر بمئات آلاف الدولارات. ويقول مطلعون إن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يعمد دائماً إلى «تأخير» تنفيذ الكشف على المزروعات وهذا ما حصل على إثر عدوان تموز.