عصام الجردي
خفض مؤشرات النمو وارتفاع العجز يثقلان الاقتصاد


تتطلع الأوساط الاقتصادية والمالية بقلق شديد إلى الفترة الفاصلة عن استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في الصيف المقبل، وما ستحمله من نتائج على أكثر من صعيد، أبرزها: تعهّدات مؤتمر باريس 3 بعد مغادرة الرئيس الفرنسي جاك شيراك قصر الإليزيه، الوضع المالي، ازدياد المخاطر السيادية وانعكاساتها على تكلفة الدين والمصارف، إنجاز المرحلة الأولى من استخصاص الهاتف الخلوي والإعداد لاستخصاص الهاتف الثابت والبدء في معالجة وضع مؤسسة كهرباء لبنان.
لا تسقط الأوساط الاقتصادية مخاوفها من أن يؤدي الوضع السياسي الراهن، المصحوب بالتصعيد على الدوام، إلى التأثير سلباً على وصول تعهدات الدول المانحة في مؤتمر باريس 3 رغم التطمينات التي تلقّتها الأوساط نفسها من مراجع حكومية، ومفادها أن «الحكومة لم تلمس بعد أي تراجع من طرف الدول المانحة عن إيفاء تعهداتها. وأنها تشك في أن يؤدي انتخاب بديل من شيراك إلى تغيّر في الموقف الرسمي الفرنسي من موضوع مؤازرة الحكومة اللبنانية، وفريق عملها المكلّف ملاحقة تعهدات المؤتمر للحصول عليها. بيد أن ما تخشاه الأوساط الاقتصادية هو المزيد من الانقسام السياسي في البلاد في الأشهر الستّة المقبلة، يكرّس الشلل في عمل المؤسسات الدستورية، ويعطي ذريعة للمتردّدين في إيفاء تعهداتهم وصولاً إلى تجميدها، خصوصاً إذا ما اقترنت تلك التطورات بعدم الاستقرار الأمني.
وتعرض الأوساط الاقتصادية حالات مماثلة واجهها لبنان مع قرارات مساعدات وهبات من أطراف عربية وأجنبية على حد سواء. «إذ إن تجميد وصول المساعدات بدعوى الأوضاع الداخلية في لبنان، كانت نهايته دائماً صرف النظر عنها. فضلاً عن الدور السلبي الذي يفترض عدم استبعاده، والمتعلق بالتطورات السياسية الدولية والإقليمية».
مالياً، تُظهر المؤشرات الاقتصادية المحلية والدولية، التي كان آخرها تقرير إكونوميست إنتلجنس يونت، أن العجز المالي المرتقب في سنة 2007 سيبقى في حدود 15،2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المفيد التذكير في هذا المجال بأن أرقام المؤشرات الاقتصادية وتقديراتها على حد سواء، بُنيت منذ شباط 2007 على فرضيّات تعهدات مؤتمر باريس 3، وعند أي تعثّر في الأخيرة، تنقلب المؤشرات رأساً على عقب. ثم إن موضوع العجز المالي إلى الناتج المحلي، وكذلك الدين العام، ليس محصوراً بالعجز المالي بذاته. بل، والأهم بمعدّل الناتج المحلي في 2007. الملامح هي الأخرى سلبية على مستوى الناتج، مثلما على مستوى العجز المالي. ففي غضون شهر واحد بين آذار 2007 ونيسان، عدّل تقرير إكونوميست أنتلجنس يونت توقعات العجز المالي إلى الناتج المحلي في 2007 من 14،1 في المئة إلى 15،2 في المئة. بينما خفض توقعات الناتج المحلي الحقيقي في 2007 من 3،9 في المئة في آذار ، إلى 2،1 في المئة في نيسان. وتنبئ حدّة التقلّب في التوقعات بين شهر وآخر، بمدى هشاشة الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان. فعلى جري العادة، لا تتجاوز انحرافات التوقعات الاقتصادية في البلدان الأخرى، حتى خارج مجموعة الدول الصناعية الكبرى، أعشار الواحد في المئة، وتعدّل وفقاً للعوامل الموسمية والمعدلات السنوية.
قد يخفّف من غلواء توقعات النمو كونه محتسباً على قاعدة النمو الحقيقي، أي النمو باستبعاد الأثر التضخمي. بيد أن هذا الأخير، على أساس مؤشر أسعار الاستهلاك، وبحسب مديرية الإحصاء المركزي، سجّل في الفصل الأول من 2007 ارتفاعاً بواقع 1،7 في المئة. يستدلّ من الرقم أن النمو كان سالباً بالقيمة الاسمية، ودون الصفر بالقيمة الحقيقية. وباعتماد رقم مؤشر أسعار الاستهلاك نفسه، المقياس الأكثر دقة لمقاربة التضخم، في الفصل الأول معدّلاً على أساس سنوي، فإن التضخم يفترض أن يكون في نهاية السنة في حدود 6،8 في المئة، وهو يبعد بفجوة واسعة عن معدّل النمو السنوي المرتقب في أي حال.
مع الإقرار بيقين مؤشر التضخم الرسمي وصحته، في غياب الرقم البديل، رغم الضغوط المرتفعة لأسعار الاستهلاك، التي نستشعرها عن قرب يومياً، يُشار إلى أن موجة الجمود الاقتصادي، وانكفاء الاستثمار، يؤديان دوراً إيجابياً في الحدّ من ارتفاع مؤشر التضخم العام. مع الإشارة إلى أن ضغوط الأسعار المحسوسة، بما يفوق مؤشر أسعار الاستهلاك في الفصل الأول 2007، قد تكون ناجمة عن ارتفاع بند الغذاء في بنية المؤشر العام. وهو البند الأكثر تثقيلاً فيه. وفي كل الأحوال، فإن مؤشر التضخم قد يكون ماضياً إلى أعلى في 2007. ففي سيناريو الاستقرار، وتحريك النفقات الاستثمارية والإعمارية، التي تكون مصحوبة غالباً بضغوط تضخمية، المؤشر إلى تصاعد. بيد أن معدلات النمو قد تستوعب مفاعيله في المديين المتوسط الأجل والطويل. وفي سيناريو عدم الاستقرار، وضعف النمو، قد يراوح المؤشر فصلياً عند حدود الفصل الأول، ويظهر أكثر في نفقات الغذاء والطاقة. وقد يتوسّع، إذا استمر اليورو في الارتفاع على الدولار الأميركي. واليورو عملة الاستيراد الرئيسة في اقتصاد بلد مدولر يستورد نحو 75 في المئة من حاجات استهلاكه.
في صرف الاعتبار عن التطورات السياسية المقبلة، الاعتقاد السائد في الأوساط الاقتصادية، أنه سيكون عسيراً على الحكومة في وضعها الراهن المضيّ في إجراءات استخصاص الهاتف الخلوي والرخصة الثالثة، وتشركة الهاتف الثابت في ظل المعادلة الحكومية الجامدة، رغم التقدم الذي أحرز على هذا الصعيد والخطوات العملية التي تمّت وكان أبرزها تأسيس الهيئة الناظمة للاتصالات. فقرارات كبيرة كهذه تحتاج إلى حكومة مكتملة العقد، ومجلس نواب يقوم بمسؤولياته. وفي السياق نفسه، يحتاج حسم أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان إلى قرار سياسي كبير، غير متوافر حالياً. وتواجه الحكومة اختباراً جديداً لتكلفة الدين، حين طرحها إصدار يوروبوندز جديداً للكهرباء يراوح بين 400 مليون دولار أميركي و500 مليون، علمت «الأخبار» أن وزارة المال تتحيّن فرصة مناسبة للإعلان عنه. فأوراق اليوروبوندز الخارجية تراجعت أسعارها في الأسبوع الماضي، تبعاً للغموض الذي يحوط الإصدار المرتقب. وقد ارتفع المردود المثقل للسند 5 نقاط أساس إلى 8،04 في المئة من 7،99 في المئة. في إشارة إلى ضعف تداول سندات اليوروبوندز.
وارتفعت مخاطر الائتمان (CDS) لسند اليوروبوندز فئة 5 سنوات إلى 370 ــــــ 400 نقطة أساس من 365 ــــــ 380 نقطة قبل أسبوعين، وهي الأعلى تقريباً بين الدول الناشئة، ومن شأنها أن تزيد من تكلفة أي إصدار بالعملات الأجنبية على الخزانة. مثلما تثقل المصارف باحتمالات خفض التصنيف، في وقت تستعد فيه لمعايير قاسية في الرسملة، ومخاطر الائتمانات، والرقابة الداخلية قبل ولوجها مرحلة تطبيق اتفاق بازل 2 في 2008.