عصام الجردي
نواب ووزراء سابقون وحاليون ... الفضيحة تتوازن سياسياً!

علمت «الأخبار» أن رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج براميرتس، والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، قررا إيفاد محقق من اللجنة وأحد القضاة الى البرازيل، في غضون اليومين المقبلين، للتحقيق مع المتهمة الرئيسة في قضية بنك المدينة وشقيقه بنك الاعتماد المتحد رنا قليلات.
وإذ تؤكد مصادر قريبة من ملف بنك المدينة، أن معطيات جديدة تتصل بالملف والمتورطين فيه، باتت في عهدة النيابة العامة التمييزية، من شأنها، كشف النقاب عما ستر من الملف، والمساعدة على تظهير ما انقشع منه، تساءلت مصادر أخرى، عما إذا كان استرداد قليلات مرحّباً به على المستوى السياسي عموماً في البلد، وفي الظروف الراهنة تحديداً.
وترى المصادر نفسها، أن تداعيات فضيحة بنك المدينة، في ضوء المعطيات الجديدة التي برزت، وباتت في عهدة النيابة العامة التمييزية، لا يمكن أن تمر في حال الإعلان عنها، ووضعها في تصرف الرأي العام من دون «تسونامي سياسي»، من شأنه قلب الوضع السياسي المأزوم رأساً على عقب. فما استعصى بالتوازن السياسي الدقيق في البلد، قد يأتي من مكان آخر. إنما من دون قدرة لأحد على توظيفه لمصلحته. ذلك ــــ وبحسب المصادر نفسها ــــ أن لائحة ملف المدينة التي ظهرت قبل نحو شهرين تشمل أسماءَ نافذين في مواقع سياسية مختلفة. وسيتوقف مدى تورطهم فعلاً، على تحقيقات يُفترض أن تجري معهم. علماً، أن بعض تلك الأسماء لا يترك تورطه مجالاً للبس والريبة. سواء من خلال العمليات العقارية التي تمت بشكل بيوعات لبنك المدينة، بأسعار تتجاوز الواقع أضعافاً مضاعفة، أو من خلال حلقة المال المدفوع نقداً. وهي الحلقة التي تعتقد المصادر، أن رنا قليلات وحدها قادرة على وصلها بحلقات أخرى في سلسلة لم تكتمل بعد. وما زالت هناك حلقات وبعض الخيوط المتناثرة والمريبة. ومن المهم للقضاء الجمع في ما بينها.
تؤكد المصادر الى حد الجزم، وجود عمليات تبييض أموال واسعة في بنك المدينة. سنداً الى القانون الرقم 318، الذي تأسست بموجبه الهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال، والذي يحدد في المادة الثانية منه عمليات تبييض الأموال بكل فعل يقصد منه:
1 ـــ إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة، أو إعطاء تبرير (مسوغ) كاذب لهذا المصدر بأي وسيلة كانت.
2 ـــ تحويل الأموال أو استبدالها، مع العلم بأنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء مصدرها او التمويه عليه. وفي الفقرة الثالثة من المادة: تملّك الأموال غير المشروعة، او حيازتها، او توظيفها لشراء أموال منقولة، او غير منقولة، او للقيام بعمليات مالية مع العلم بأنها أموال غير مشروعة.
وفي شأن التملُّك العقاري ــــ تقول المصادر ــــ فإن عمليات التبييض كانت واضحة. ثم في حلقات انتقال العقارات، بدءاً بعمليات شراء عقارات واسعة من طرف بنك المدينة، او من متورطين إنما بأسعار فلكية. الدليل، أن مصرف لبنان استرد عدداً واسعاً من العقارات التي تم شراؤها من جهات نافذة، في مقابل تأمين السيولة، بأقل من سعر شراء المصرف إياها من الجهات المذكورة. وهذا ما بات جلياً للجهات القضائية المعنية.
وترجح المصادر أن يكون العراق مصدر جزء من الأموال التي تم غسلها في بنك المدينة. لكنها تميل الى احتمال دخول بعض الأموال العراقية عن طريق دولة عربية ثانية. وإذا صح الاحتمال المذكور فقد تتوسع دائرة «الاختلاط السياسي» في الملف على نحو كبير.
أوساط أخرى رافقت فضيحة بنك المدينة تؤكد، أن بين المتورطين نواباً ووزراء سابقين وحاليين وإعلاميين. إضافة الى ضباط كبار من جهاز المخابرات السورية، وذويهم من أشقاء وأبناء، قبل انسحاب القوات السورية من لبنان. ولم يقتصر الأمر على تسريب أموال نقداً من المصرفين، المدينة والاعتماد المتحد مباشرة إلى نافذين، ثم «تسريبها الى صناديق أخرى» تُكسبها شرعيةً، ولا من خلال شراء عقارات بأسعار منفوخة، أو تحويلها الى شراء الحلي، والجواهر، والسيارات الفارهة، والمعادن النفيسة وغيرها ـــ تقول الأوساط ـــ بل هناك عمليات تمويل تجارية لسلع ممنوعة دخلت الى لبنان، وحظيت بتواقيع رسمية للعبور. وإذ رفضت الأوساط نفسها الإفصاح عن طبيعة «السلع الممنوع استيرادها» أكدت أنها ليست أسلحة، لكنها جزمت بدفع ملايين الدولارات الأميركية من بنك المدينة لتسهيل إمرارها.
وتقول الأوساط أيضاً، إن عمليات كثيرة حصلت خارج لبنان، وفي دول أوروبية تحديداً، وإن سويسرا وفرنسا، كانتا من بين الدول التي عقدت فيها صفقات ولقاءات، بتحضير من قنوات نافذة ترد أسماؤها في معظم العمليات المشتبه في أمرها.
ساد اعتقاد لفترة طويلة ـــ أقله لدى كاتب السطور ـــ أن ملف بنك المدينة لن يكشف للرأي العام، وبطبيعة الحال، لن يقف أبطاله وراء القضبان الحديد، إلا في سياق التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بصرف الاعتبار عن مدى الترابط بين الملفين، من عدمه. ولولا عِظم الجريمة، في حال وجود الترابط، لجاز القول إن كشف الحقيقة عن فظاعات بنك المدينة بات معوقاً لكشف حقيقة الاغتيال. المعنيون الرئيسيون بملف المدينة ــــ إلا قلة ــــ باتوا خارج لبنان. رنا قليلات في البرازيل، عدنان أبو عياش في السعودية، ابراهيم أبو عياش مجهول الإقامة في الخارج. وتقول المصادر، إن أحد الصرافين الذي استُخدم من بين حلقات التبييض «غادر ولم يعد أيضاً». وتأكد لـ «الأخبار» أن بيدقاً من رقعة شطرنج ملف المدينة المتداخلة، قبض عليه قبل نحو 9 أيام لتصديره شيكاً بلا مؤونة. وتردد أن براميرتس قد حقق مع أبو عياش في السعودية وسيعيد الكرة من جديد. لم توثّق المعلومة.