كان علي يقف ببزته الزيتية، عند مفترق طريق المطار- حارة حريك، يحاول تنظيم السير المزدحم قدر المستطاع. فجأة، يخرق صوت مدوّ ضجيج الشارع. «انفجار! انفجار قريب!»، يصرخ الشرطي في جهازه اللاسلكي، منادياً رفاقه، راكضاً باتجاه الدخان المتصاعد. هو شرطي بلدي. حالما علم رفاق علي في شرطة اتحاد بلديات الضاحية بالتفجير الرابع في الشارع العريض في حارة حريك، هرعوا إلى المكان. وصلوا قبل أي جهة رسمية أخرى، وعملوا على إبعاد الناس، وتسهيل مرور الإسعافات، ومعاونة القوى الأمنية بعد وصولها. سبقهم إلى ذلك بدراجاتهم النارية «شباب الإطفاء» في الاتحاد.
تطوّق الحواجز الأمنية مختلف مداخل الضاحية الجنوبية، وانتشارها جاء تنفيذاً للخطة الأمنية، للحدّ من إمكانية تسرّب السيارات المفخخة الى شرايين الضاحية الحيوية، لكن قلّة يعلمون أنه لم يكن لتمتلئ الحواجز بالعدد «المطلوب» من العناصر، لولا مشاركة بلديات المنطقة في تغطية نقص العديد، وخاصة في مجال تنظيم السير وقمع المخالفات. وبما أن نغمة نقص العديد رائجة في لبنان، فهي لم تغب عن لحن بلديات المنطقة أيضاً. وجاء اتحاد بلديات الضاحية، الذي تأسس عام 2006، ليساعد قوى الأمن والبلديات معاً في هذه المنطقة المكتظة من خلال التعاقد مع نحو سبعين شرطياً قبل أكثر من عام.
وينيط قانون البلديات بشرطة الاتحاد البلديات مهمات مثل التعاون مع شرطة البلدية وتغطية النقص في عناصرها، إضافة إلى مهمات أخرى محصورة ضمن نطاق البلديات المنضمة إلى الاتحاد، كإزالة المخالفات والتحقيقات الأولية في الجرائم المشهودة (التفجيرات منها) لحين وصول الضابطة العدلية.
قد لا يعجب البعض منظر الشاب العشريني، ذي البزة الزيتية، الذي يبذل جهده لتنظيم حركة السير والسيارات عند الطرق الرئيسية، لكن «الكحل أحسن من العمى» كما يقول أبو حسين، الذي يردف: «هودي الشباب عم يعملوا قد ما بيعرفوا، منيح اللي صار في بلدية بالضاحية أساساً». في رأيه «هم سلطة محلية تقوم بتغطية عجز القوى الأمنية وتخليها عن هذه المنطقة»، ويدعو أيضاً إلى التعاون معهم. بينما يمتعض آخر منهم ويقول: «ليش بدن يمنعوني استرزق على عرباية الخضرة، أو حتى عمّر بيت. أنا ما رح أقدر أشتري شقة بميّات ألوف الدولارات!». ويكشف هذا المواطن أنه كان قد أعطى مبلغاً من المال لجهة ما في سبيل غض النظر عن شروعه في إنشاء بناء مخالف، ليفاجأ في اليوم التالي بدورية لشرطة الاتحاد حاولت منعه، معلّقاً «بدنا نعيش، هلأ النظام بيبلّش من عند الفقرا بس؟!».
أما هم، عناصر «شرطة الاتحاد»، فلا يهمهم كثيراً ما يقال عنهم، بقدر ما يهمهم تأمين لقمة العيش. يقول محمد، وهو عنصر في الشرطة: «أهلنا في منطقتنا لم يتقبلونا في بداية الأمر. لم يتعاون البعض معنا، بل إن بعض الزعران هاجمونا بالسلاح... فكيف ستقنع من هم من خارج المنطقة بأننا رسميون ولسنا حزبيين؟». يقولها متجهماً، لافتاً إلى الأخطار التي تحيط بهم نظراً إلى الأوضاع الأمنية المتردية، وإلى ظاهرة السيارات المفخخة.
لا يضع تلميذ الجامعة نفسه في خانة المنتسبين لأي من أحزاب المنطقة، بل يقول «نحن من المؤيدين، وبالتالي نحن من النسيج الاجتماعي لهذه البيئة. لجأنا الى العمل كشرطة في هذا الاتحاد لمساعدة الأهالي على تنظيم الطرقات وإزالة المخالفات، وبحثاً عن لقمة العيش في النهاية». يقاطعه زميله حسن لافتاً إلى حادثتين تعرضوا فيها لإطلاق نار من قبل بعض الموتورين، وذلك عند عملهم على إزالة العربات ومخالفات البناء في محلتي صبرا وحرج القتيل. ويتابع، آسفاً على رفاقه الذين أصيبوا في هذه الحوادث: «ليس لدينا سلاح ندافع به عن أنفسنا، بل جلّ ما نستطيع فعله هو تحرير محاضر ضبط أو حجز». لم ينسَ أن يذكر أنهم أصبحوا يؤازرون عناصر بلديات المنطقة حتى لو كان برفقتهم عناصر من الدرك. وفي سياق الحديث عن فعالية عملهم، ذكر الشرطي حادثة غرق نفقي المطار والأوزاعي، وكيف «نزلنا الى الشوارع تحت المطر وفي غمرة السيول» لمؤازرة القوى الأمنية. وكيف أن آمر مفرزة سير الضاحية الجنوبية المقدم محمد عبود ارتدى «البانشو» وراح ينظم السير برفقتهم، نظراً لقلة عناصر قوى الأمن.
يعمل عناصر الاتحاد بصفتهم التعاقدية بانتظار قرار تثبيتهم، وهم خضعوا لمباريات دخول بدنية وفكرية وامتحانات أهّلتهم لتولي هذه المهمة. البكالوريا اللبنانية هي الحد الأدنى من المستوى العلمي لقبول الشرطي، إلا أن معظم هؤلاء من حملة الشهادات الجامعية أو ممن يعملون على تحصيلها. وهم بزيهم الموحد، مقسمون إلى فرق ودراجين يقومون بدوريات دائمة على الطرقات الأساسية، يرأسهم المفوّض بالوكالة وجيه همدر. ويدير اتحاد بلديات الضاحية محمد نبّوه الذي أشاد، في حديث مع «الأخبار» بعناصر الشرطة والإطفاء الذين كانوا بسرعة عند التفجيرين الأخيرين. ويعطي الأولوية في الاتحاد لجهاز الشرطة، «لكون المنطقة تعاني إهمال الدولة، الذي أدى إلى تراكم العديد من المخالفات». وهو الجهاز الذي كان قد نال الموافقة على تأسيسه، بعد إجازة مجلس الوزراء عام 2007 لوزير الداخلية السماح للبلديات واتحادات البلديات باستخدام شرطة وحراس مؤقتين لفترة ستة أشهر. في هذا السياق، يشير المدير إلى أن «الاتحاد يسعى لتثبيت نحو ثلاثين شرطياً يحوزون شروط الوظيفة العامة».
يشير نبّوه إلى أن «نقص عديد قوى الأمن يؤثر سلباً في أداء شرطة الاتحاد وفي انتشار عناصره، وخصوصاً بعد الخطة الأمنية الجديدة. كل ذلك ضمن نطاق واسع، ذي كثافة سكانية عالية (نحو 800 ألف نسمة)». أما بالنسبة إلى عدم تسليح عناصر شرطة الاتحاد حتى الآن، فيؤكد أنه «أُرسل كتاب إلى وزير الداخلية والبلديات للموافقة على تجهيز وتسليح العناصر وفقاً للقانون، وأيضاً لتنظيم دورات تدريبية لهم في مجال تنظيم السير». وعن ردّ فعل المواطن، قال إنه «يختلف بحسب تعوّده النظام، أو التفلت منه، كذلك لناحية تقبله وجود سلطة محلية تساعد القوى الأمنية». وختم مدير الإتحاد بجملة مشاريع مستقبلية، أولها إنشاء جهاز هندسي تابع للاتحاد يتولى دراسة المشاريع الإنمائية والتنظيمية، وليس آخرها جهاز آخر صحي لمراقبة الصحة العامة وسلامة الغذاء.