لطالما كان الأساتذة عرضة للنقد والتقويم، وحتى التجريح، وخصوصاً من قبل طلابهم. لكن الانتقادات التي تطاول أساتذة «اللبنانية» تلقى أصداءً أوسع بسبب إحكام السلطة السياسية قبضتها على الجامعة، وما يقال عن توليها هي اختيار الكادر التعليمي بناءً على الانتماء، لا على الكفاءة العلمية، في ظلّ غياب مجلس الجامعة.
يصحّ على هذا الكلام القول إنه يأخذ «الصالح في عزا الطالح»، إذ تحتضن الجامعة العديد من الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة، الذين يمتلكون رصيداً ثقافياً وأكاديمياً متيناً، ولم يدخلوا إلى الجامعة من باب السياسة. لكن هذه الحقائق يصعب تصديقها، في ظلّ واقع يقضي بتصدّر الطائفة لائحة المعايير التي يقبل الأستاذ على أساسها. من هنا، تطالب الأستاذة في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية د. وفاء نون بـ«معايير واضحة وشفافة، ولا يكون ذلك إلا عبر قيام مجلس الجامعة باختيار الأساتذة وتعيينهم، وليس مجلس الوزراء. فـ«بروتوكول» تقاسم الحصص المتبع في الدولة لا يصح أن ينطبق على الجامعة اللبنانية لمجرد أنها تابعة لها». وتشرح نون أن «التدخلات السياسية لم تكن غريبة يوماً عن الجامعة، لكنها لم تصل إلى حد المساومات الواضحة كما يحصل اليوم».
لا يصحّ أن ينطبق بروتوكول تقاسم الحصص على أكاديميين

ويكفي أن يدخل الأستاذ إلى الجامعة، حتى تغيب المحاسبة. إذ لا تُطلب سيَر ذاتية مستحدثة لمراقبة تطور الأساتذة المتعاقدين (رصيد أبحاث وغيرها)، أو حتى خضوع أساتذة التفرّغ لنظام تقويمي مستمر. هذا الكلام يتجاوز ضرورة وضع قيود على الأستاذ ومراقبته، إلى الخوض في نظام كامل تخضع له الجامعة، تشوبه العديد من الثغَر تطاول تأثيراتها أداء الأساتذة الكفوئين الذين قد يتقولبون مع هذا النظام. ولعل أبرز تلك الثغر «عقد المصالحة»، القائم على اتفاق بين الأستاذ والجامعة، يتعهد فيه الأخير بتنفيذ عدد من الساعات من دون أن يحصل على حوافز أو ضمانات، مقابل تقاضي راتب آخر السنة. وهذا ما يضطر العديد منهم إلى العمل في جامعات خاصة لتأمين مدخول كاف لهم، ما يكون في معظم الأحيان على حساب طالب الجامعة اللبنانية. إذ يحصل أن يتأخر بعض الأساتذة المتعاقدين إلى صفوفهم، أو يتغيبون لمصلحة الجامعات الخاصة التي، على خلاف «اللبنانية»، تراقب وتحفّز.
حتى أولئك الأساتذة الذين يحاولون التوفيق بين العملين، ويتجنبون «التقاعس» قدر المستطاع، قد لا يستطيعون أن يقدّموا مستوىً كافياً للطالب. فأنّى لأستاذ منهك أن يجد الوقت الكافي لكي يعدّ جميع المحاضرات بالجهد نفسه؟ الأمر الذي يستلزم من الأستاذ المتعاقد أن يحسم خياره بين الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، ويفرض على الدولة إعادة النظر في ملفات التعاقد والتفرغ. لا يرى الأستاذ في كلية الإعلام والتوثيق، د. علي رمال أن الواقع بهذا السوء، إذ يؤكد أن «أساتذة الجامعة اللبنانية من أكفأ الأساتذة، إلا أنهم لا يُستثمرون جيداً بسبب غياب آليات التطوير والتجهيز في مجلس الجامعة، بما أن القرارات الأكاديمية تحددها السلطة السياسية». ويضيف: «لا يمكن مجلس الجامعة أن يصدر قراراً نهائياً، وهذه هي الإشكالية المعوقة، لأن الآليات التي يصدرها مجلس الوزراء ذات طابع إداري عام وليست ذات طابع أكاديمي». رمّال، الذي لا ينفي «دخول عناصر غير كفوءة إلى الكادر التعليمي نتيجة تدخلات سياسية»، لا يعطي أهمية كبيرة للأمر «لأن الهيكل الأكاديمي في الجامعة لا ينسفه شخص أو اثنان». ويشير إلى أن «تطوير استثمار الأساتذة مرتبط بما يسمى التوصيف الوظيفي لهم وهو منعدم، إذ كيف لنا أن نطوّر مهمات أساتذة وأداءهم من دون أن نحدّد لهم الوظيفة الأساسية التي يجب أن يقوموا بها كي يعملوا على تطويرها!».
الحل إذاً هو استرجاع صلاحية الجامعة، وعودة الحركات الطلابية لتشكل قاعدة شعبية متينة تمكّن الأساتذة من محاربة هذا النظام الذي يؤثر في أدائهم وفي أداء الجامعة اللبنانية.