هذا الوضع ليس مستجداً بالكامل، بل هناك عوامل قديمة وأخرى استجدّت بعد الانهيار ثم تطورت وتسارعت وتيرتها. «كنا قد طلبنا من المعنيين دعم المستلزمات الزراعية بقيمة 150 مليون دولار لأنها تسهم في توفير إنتاج زراعي بقيمة 1 مليار دولار لكن لم نحصل على أي جواب. ففي ظل العوامل القديمة والجديدة، تقلّصت المساحات المزروعة ولا سيما الخيم البلاستيكية بنسبة 40%، وتراجع الإنتاج، فانعكس الأمر على حركة العرض والطلب وارتفعت الأسعار» يقول الحويك.
وتُعد أزمة المحروقات واحدة من أكثر الأزمات التي ترهق المزارعين وتسهم في ارتفاع الأسعار. يكشف إيلي بيطار، وهو مستثمر في القطاع الزراعي وصاحب سوق للخُضر، عن «صعوبة تأمين المازوت للمزارعين في منطقة القاع. أحياناً نضطر للجوء إلى السوق السوداء ونشتري المازوت بسعر أعلى بنسبة 10% إلى 15%». ويلفت إلى أن أسعار الأسمدة تأثّرت أيضاً بارتفاع سعر الدولار، وبارتفاع الأسعار العالمية أيضاً إذ ازداد سعر بعض أنواع الأسمدة من 400 دولار إلى 700 دولار للطن الواحد.
تراجع بنسبة 40% في المساحات المزروعة بالخيم البلاستيكية
يرفض الحويك ما ينقل عن وزير الزراعة عباس الحاج حسن بشأن احتكار الخُضر وانعكاسه ارتفاعاً في الأسعار: «كيف يمكن احتكار السلع الزراعية السريعة التلف؟ قفص الخيار إذا لم يُبَع من أول يوم تنقص قيمته بنسبة 40% في اليوم الثاني ويُتلف في اليوم الثالث». لكن ليس موضوع الاحتكار وحده الذي يؤخذ كمبرّر لارتفاع الأسعار، إذ كان هناك كلام أيضاً عن تعويض النقص عبر الاستيراد من سوريا، لكنّ الحويك ينبّه إلى أن «سوريا عانت من نفس الظروف المناخية التي عانى منها لبنان، أي أن إنتاجها تأثّر أيضاً بالصقيع والبرد وتراجع في ظل تقلّص المساحات المزروعة. تصلنا البندورة السورية بـ 90 سنتاً أي نحو 22 أو 23 ألف ليرة لبنانية. أما من الأردن، فسيضاف إلى السعر كلفة الشحن التي باتت مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، فضلاً عن أن الأردن أيضاً عانى من الظروف المناخية نفسها».
رغم ذلك، يصرّ وزير الزراعة في تصريحاته على خفض الأسعار عبر الاستيراد من الخارج ولا سيما من الأردن وسوريا. فهو وعد بأن «تكون هناك منتجات مستوردة من الخارج بكميات مضاعفة خصوصاً في أول شهر رمضان حتى لا تكون هنالك زيادة في الأسعار».
إذاً، كيف سيسهم الاستيراد في خفض الأسعار إذا كان يصل إلى السوق اللبنانية بكلفة توازي سعر السلع الزراعية اللبنانية؟ الانخفاض الوحيد في الأسعار قد ينتج عن تسريع عملية القطاف مع ارتفاع درجات الحرارة، إذ يؤكد الحويك أن «تحسّن الطقس سيسرّع عملية القطف. وعوض 10 أيام لقطف البندورة والخيار، ستتقلّص المدّة إلى 3 أيام، وبالتالي تتوافر في السوق كميات أكبر. لكن بالنسبة إلى الحشائش فالمدّة قد تكون أطول. لذا، فإن التوقعات بأن ترتفع الأسعار أول أسبوع من شهر رمضان ثم تنخفض وتستقرّ».
برأي بيطار، فإن الأسعار «قد تنخفض بنسبة 50% بعد أسبوع من بداية شهر رمضان مع زيادة الإنتاج والعرض». بهذا المعنى، الاتكال يصبح على تقلبات الطقس. أما الدولة فهي غائبة، ولا سيما عن مراقبة الأسعار بين حلقات الإنتاج وتجارة الجملة وصولاً إلى تجارة التجزئة. فحتى الآن ليس هناك أي مبادرة جديّة وفعّالة لدعم الإنتاج الزراعي وخصوصاً مع تفاقم حدّة اختلال الأمن الغذائي. يستنكر الحويك ما يحصل: «الوزارة غائبة عن السمع، وما حدا فارقا معو. هل يريدون إقناعنا بأنهم الآن سيعالجون مشاكل عمرها عقود. منذ أكثر من عشرين عاماً ونحن ننادي بالحلول ولا أحد يستجيب». فمن أبرز الحلول المطلوبة «دعم تركيب الطاقة الشمسية للمزارعين. لا توجد قدرة على تأمين المازوت لريّ المزروعات والكثير من المزارعين قد يتوقفون عن الزراعة. ونحذر منذ الآن من صعوبات قادمة في فصل الصيف إذا لم يُعالج هذا الموضوع».