65 % من الشاطئ اللبناني صالحة للسباحة، رقم صادم بإيجابيته. «هذه معطيات علمية وأرقام تستند إلى أبحاث حقيقية لا تشبه السكوبات الإعلامية» حسب كلام الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين، التي توضح أن «السكوب يقوم على فحص عيّنة واحدة، والتطبيل بالنتيجة على أنّها حقيقة مطلقة»، أما البحث العلمي فيحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير. يقوم مركز علوم البحار في المجلس برصد 37 نقطة مرجعية على طول الشاطئ اللبناني من أقصى الشمال في عكار وصولاً إلى الناقورة جنوباً. تؤخذ العيّنات على مدار السّنة وفقاً لمنهجية علمية. وبناءً على المعلومات الواردة من المسوحات التي يجريها، ينشر المركز تقارير سنوية حول «الواقع البيئي للشاطئ اللبناني». ولهذه الغاية عُقد مؤتمر صحافي أمس لنشر التقرير السّنوي الثامن والثلاثين، في حضور وزيري البيئة والزراعة ناصر ياسين وعباس الحاج حسن، وعدد من الباحثين العاملين بصمت، والذين يحاولون اليوم إخراج صوتهم إلى ما وراء أسوار المركز.

أين نسبح؟
النقاط المرجعية المختارة للقيام بالأبحاث تتضمّن: مواقع المسابح الشعبية، الشواطئ الصخرية والرملية، بالإضافة إلى نقاط قريبة من المعامل ومصبّات الصرف الصحي. أما الهدف، فتحديد التلوّث الشاطئي وأثره على الصحة العامة. وعليه، تمّ تقسيم الشاطئ اللبناني إلى ثلاث مناطق: جيدة وملائمة للسّباحة، حذرة وغير مأمونة، وصولاً إلى الملوّثة والتي لا تصلح للسباحة.
الفحوص التي أجريت للمياه بيولوجية وتركز على «البكتيريا البرازية» الناتجة عن التخلّص من مياه الصرف الصحي وعصارة المكبّات في البحر. هنا استعرض مدير مركز علوم البحار ميلاد فخري نتائج الدراسة التي صنّفت 24 موقعاً بحرياً تحت خانة «الملائم للسباحة». غابت بيروت تماماً عن هذه المواقع باستثناء منطقة ضيقة تقع في عين المريسة وتحديداً بين «مرفأ الصيادين والريفييرا». أمّا المواقع غير المأمونة، فـ«يمكن السباحة فيها بحذر»، ووجب تحديدها كي يعرف المواطن «السبب إن أصيب بمرض ما» على ما يؤكّد فخري. المفاجئ أنّ هذه المواقع غير المأمونة مصنّفة كمسابح خاصة في طرابلس والبترون (شاطئ البحصة)، أما المواقع «الأكثر تلوثاً»، وغير الصالحة نهائياً للسباحة، فهي المسابح الشعبية في طرابلس، جونيه، بيروت، الرملة البيضاء كما شاطئ المطاعم في صور!

ماذا نأكل؟
المركز الوطني لعلوم البحار لم ينسَ الإشارة إلى الأسماك. «إنّها آمنة، ويمكن أكلها، وبعيدة عن مصبّات الصرف الصحي» يقول فخري، و«لكن» يجب الانتباه إلى سمكة «النفيخة». السمّ موجود في كلّ أعضائها، بنسب متفاوتة، يقول وهو يعرض صوراً تظهر بيعها مع أنواع أخرى من السمك، مطالباً بلفت نظر بعض أصحاب المسامك والصيادين إلى خطرها. أما قناديل البحر، فـ«لا داعي لتضخيم الأمر كثيراً، تكاثرها طبيعي». التيارات البحرية الطبيعية تحملها من البحر الأحمر صوب شواطئ منطقتنا في لبنان وفلسطين. وتختلف كميتها باختلاف العوامل الطبيعية المسيطرة.
صُنِّف 24 موقعاً بحرياً من أصل 37 تحت خانة الملائم للسباحة


الـ«لكن» تتوسّع إذا ما أدخلنا عناصر جديدة لرصدها: البلاستيك، ولا نقصد به النفايات المنتشرة على الشواطئ، بل نتكلم عن «قطع الميكروبلاستيك». لا يتجاوز حجم هذه الملوّثات الميكرومتر الواحد، أي واحداً على مليون من المتر، يأكلها السمك بغير قصد فتتراكم في لحمه، ونأكل السمك بدورنا فيتراكم في أجسادنا. الأمر هنا على درجة عالية من الخطورة لما قد يتسبّب به من أمراض مزمنة كالسرطانات، ونسبة هذه الملوّثات في مياهنا عالية جداً.

لا فحوصات كيميائية
الإيجابية النسبية التي خرج بها المؤتمر الصحافي لا تلغي السلبيات، إذ تشكو الزين من احتجاز «أموال الأبحاث الواردة من الخارج في المصرف المركزي». هذا الأمر يؤدي إلى تعطيل أبحاث وفحوصات هامة جداً تتعلّق بسلامة المياه من الناحية الكيميائية، ذلك أنّ كلّ ما ورد سابقاً لا علاقة له بما قد تحتويه المياه من ملوّثات كيميائية عضوية تنتج عن 12 نقطة تفريغ للنفط أمام الشواطئ اللبنانية. في هذه النقاط ترسو السّفن المحملة بالمشتقات النفطية وتُفرّغ في خزانات الشركات، مع ما يرافق هذه العمليات من تسرّبات نفطية، بالإضافة إلى قيام سفن بعمليات «شطف» لعنابرها من بقايا مواد كيميائية في المياه اللبنانية. أمّا تحاليل المعادن الثقيلة (رصاص، نحاس، كادميوم...) فتشير إلى معدّلات تتناسب مع المعايير العالمية، مع تسجيل استثناءَين: الأوّل في منطقة الدورة (بيروت) إذ أظهرت الفحوصات ارتفاعاً في مستوى الكادميوم والرصاص، والثاني في شمال صور وعكار بمعدّلات رصاص مرتفعة. يُذكر أن تأثير هذه المعادن الثقيلة المباشر على صحة الإنسان مشابه لتأثير قطع الميكروبلاستيك التي تتناولها الأسماك.