في غضون ثلاثة أسابيع، انقلب عدّاد كورونا من حالٍ إلى حال. وهو منذ أسبوعٍ تقريباً، يسير تصاعدياً، ولو ببطء، حيث تخطى قبل أيام عتبة المئة، مسجلاً أول من أمس 141 إصابة بزيادة 100 إصابة عن مطلع الشهر الماضي (47 إصابة في 2 كانون الأول الماضي من دون تسجيل وفيات). ترافق هذا المسار التصاعدي مع استئناف نشاطٍ شبه يومي في عدّاد الوفيات، مع تسجيل حالة وفاةٍ يومية.
مؤشرات الفيروس في الآونة الأخيرة تثير مخاوف من ارتفاع الوفيات، خصوصاً في ظلّ ما آلت إليه الأوضاع في المستشفيات، مع ازدياد أعداد المصابين المحتاجين إلى الاستشفاء، إذ ارتفع عدد الأسرّة المستخدمة في غرف العزل العادية من 27 سريراً (نسبة 6% من عدد الأسرّة الإجمالية في الأقسام المفتوحة لكورونا) إلى 87 سريراً (بنسبة 19%)، فيما ارتفع عدد الأسرّة المشغولة في غرف العنايات الفائقة للمرضى الموصولين على أجهزة التنفس من 12 سريراً (بحدود 7% من إجمالي الغرف) 26 سريراً (بنسبة 14%).
ينذر هذا المسير الذي باتت معه البلاد في المرحلة الثالثة من التفشي، ببدء مرحلة جديدة من الإصابة بالفيروس، وهو ما أعلن عنه وزير الصحة العامة، فراس أبيض، مؤكداً «وصول موجة من كورونا إلى لبنان بالتزامن مع تزايد نسبة الاختلاط في فترة الأعياد».
3 عوامل للانتشار
من جهته، يختصر الدكتور عيد عازار، رئيس اللجنة التنفيذية للقاح كورونا، أسباب هذه الموجة بثلاثة عوامل، أوّلها الاختلاط بحيث «بات هذا الارتفاع في الإصابات سنوياً في فترة الأعياد». إلى هذا العامل، يضيف عازار عامل التحوّرات التي يتعرّض لها الفيروس الذي «يفتّش دوماً عن أشكالٍ جديدة للهرب من المناعة». وبحسب منظمة الصحة العالمية يكتسب هذا المتغيّر قدرة على نقل العدوى ونشرها، إذ إنه من «بين كل السلالات التي اكتُشفت حتى الآن، يكتسب هذا المتحوّر 14 طفرة جديدة تعطيه مقاومة معزّزة للأجسام المضادة»، وإن كان «الخبر الجيّد أنه يسبّب مرضاً خفيفاً كما سلفه».
يسير عدّاد كورونا تصاعدياً منذ أسبوعٍ مسجّلاً 100 إصابة زيادة عن الشهر الفائت
أما العامل الثالث، والأهمّ محلياً، فهو ضعف المناعة المجتمعية، يقول عازار حاسماً. وهنا، ثمة سببان أساسيان: أولهما «فرملة» عملية التلقيح وتوقفها في عددٍ من المراكز، حيث باتت الكميات التي يسترجعها مركز الكرنتينا أعلى بكثير مما يسلّمه. وقد تكون التقارير دليلاً واضحاً عما آل إليه مسار التلقيح، ويشير آخر التقارير الصادرة عن وزارة الصحة العالمية والتي توثق بموجبها متلقّي اللقاح (27 كانون الأول الماضي) إلى أن عدد المسجلين على المنصة لتلقي اللقاح بلغ يومها 308 أشخاص، فيما تلقى الجرعة الأولى شخصان والجرعة الثانية 10 أشخاص والثالثة 5 أشخاص. وبالمجمل، وصلت نسبة الملقّحين بالجرعة الأولى إلى 71.2%، و50.3% الجرعة الثانية و27.3% الجرعة الثالثة، على أن أكثر المتفلتين من اللقاح هم صغار السن، بحسب عازار.
وفي الثاني، يتطرّق عازار إلى التأخر الذي حصل على صعيد وصول اللقاح الخاص لمواجهة أوميكرون والمتحوّرات السابقة. وهو تأخير طال كثيراً، قبل أن تصل الهبة الفرنسية أخيراً، آملاً «توزيعها على المراكز بسرعة كي لا تنزلق الأمور أكثر»، على أن تكون الفئة الأولى المستهدفة هي «كبار السن، خصوصاً أنه باتت لدينا الخبرة بأن الكورونا يكره كبار السن، كما أن معظم الداخلين لتلقي الاستشفاء هم من هذه الفئة التي تتجاوز الثمانين عاماً».
تنشيط التلقيح
التحدّي اليوم هو باستعادة مسار التلقيح، خصوصاً أن الموجة الحالية من الفيروس تترافق مع موجة حادة من الإنفلونزا الموسمية، وهو ما يضعنا أمام واقعٍ هشّ، «خصوصاً أن الوضع الاقتصادي ليس لصالحنا، وكذلك الواقع الصحي والمؤسسات الصحية التي لن تكون قادرة حكماً على المواجهة كما في السابق»، يقول رئيس اللجنة الوطنية للقاح كوفيد ـــ 19، الدكتور عبد الرحمن البزري. وفي الوقت الذي يتخبّط فيه مسار اللقاح، تتجه بعض الدول ومنها الولايات المتحدة الأميركية إلى «عمل ما يسمى بالجرعة اللقاحية السنوية، كما الموسمية، كأن يصبح شيئاً شبيهاً بالتعاطي مع الإنفلونزا».
أما ما الذي يمكن فعله اليوم على هامش تنشيط عملية التلقيح؟
في ظلّ انعدام الإجراءات الحاسمة، لا شيء قد يسعف في التخفّف من الموجة سوى أن «يكون كلّ مواطن خفير نفسه عبر الالتزام بالإجراءات الوقائية من الالتزام بالكمامة والتخفيف من التجمعات».