بعيداً من تقييم أداء تلفزيون لبنان، الذي ــــ بشكل عام ــــ ليس بالضرورة أن يكون أسوأ من أداء تلفزيونات المحاصصة المذهبية والطائفية التي أحاطت نفسها ببهرجة خادعة، وأقرنت عملها بالحرية والموضوعية والحيادية، وهي أبعد ما تكون عن هذه العناوين البراقة والفارغة من مضمونها، فهي لا تقوم بوظيفتها على مستوى الإيفاء بالالتزامات المعنوية والمادية تجاه الدولة، بل أمعنت في حفر الخنادق والمتاريس، وعبثت بكل ما هو مشترك، ومارست فوقية على تلفزيون لبنان والعاملين فيه، بعدما وضعت يدها على حصته الإعلانية وصادرت بريقه وسرقت أرشيفه. وبالتالي ذهبت في خدمة مصالح مشغليها بعيداً، متخطيةً حدود الوطن نحو الخارج بتعقيداته وتضارب مصالحه. في حال كنا أمام دولة بما تعنيه الكلمة، فإن مطلق دولة بحاجة إلى أجهزة إعلامية واتصالية تعبّر عنها وترعى مصالحها، المفترض أن تكون فوق المصالح الفئوية. هذه الأجهزة العمومية تتغذى من أموال المواطنين ومن الضرائب التي يدفعونها للدولة لقاء خدمات معرفية وتنموية ومواطنيّة تقدّمها الأخيرة. هذا كان سائداً في البلدان الديموقراطية قبل التحول الرقمي والاتصال المتسارع، الذي كان من مفاعيله إضعاف للدولة وإفراغ للديمقراطية من مضمونها. وأبعد من ذلك هجر الناس شيئاً فشيئاً الدولة، ببناها وهياكلها الهرمية، وبخطاباتها، نحو الشبكات الاجتماعية، بميوعتها وتقلباتها وعنفها وذاتيات مستوطنيها المستبدة، وعصبياتها. هكذا أُطيح بما سمي بالرأي العام لصالح آراء انفعالية، متهوّرة، واصبح التلاقي حول ما يسمى بالمصلحة العامة مستحيلاً لصالح ما يسمى بالمصلحة المشتركة الموقتة والمتبخرة سريعاً. لذا هرول بعضهم وراح يطالب بإلغاء أجهزة الإعلام الرسمية وإلغاء وزارة الإعلام، وإلغاء الرقابة الخ. علماً أنّ رقابة الدولة أقل ضرراً وخطراً من رقابة «البيغ داتا». وها نحن نشهد صراعاً لا أفق له بين القوى السياسية والطائفية في لبنان. كل فريق يريد الدولة على صورته ومزاجه، بل حتى كل فرد ظن نفسه قادراً على أن يملي على أجهزة الدولة إرشاداته وتعليماته. وبالتالي بتنا نشهد البنى والهياكل التي كانت قائمة تذهب نحو مزيد من التحلل، وبالطبع تلفزيون لبنان أحد هذه الأجهزة. المشكلة الكبرى أننا نعيش إيقاعاً متسارعاً للأحداث والتقلبات، ويعدمنا الوقت لهضم معنى ما يجري حولنا. إنّه التخبط بعينه، والبعض يتمترس عند أنانيّته ويقينه الأبدي المتحجر، وإن كان عملياً يعيش حالة من اللايقين القاتل، والكلّ يسهم من حيث يدري أو لا يدري في إفراغ لبنان كوطن من مضمونه.

* أستاذة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية