الإضراب والاعتصام والتظاهر والتعبير حقوق مقدّسة يكرسها الدستور، ولا يحقّ لأي مسؤول مهما كان موقعه انتهاك هذه الحقوق باللجوء الى مراسيم اشتراعية تخطّاها الزمن وتجاوزتها القوانين التي شرّعت العمل النقابي وحصّنته تحديداً في القطاع العام، وخصوصاً القطاع التعليمي.كما إن أول القرارات الرسمية الصادرة بتشريع العمل النقابي للجسم التعليمي وتشكيل أطره النقابية كان القرار الرقم ٣٣٥ عام ١٩٧٢ بتأسيس روابط التعليم الأساسي، والذي جاء إثر قرار صرف ٣٠٩ معلمين بعد إضراب نفذه معلمو التعليم الأساسي وقد تم إلغاء وإسقاط قرار الفصل هذا بعد عشرة أشهر من الإضرابات والتظاهرات المستمرة. ثم تلاه القرار ٨٧١ – بتاريخ ٢٥/١٠/١٩٨٠ القاضي بتأسيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي وكذلك الحال لرابطة أساتذة الجامعة اللبنانية، وتلاها قرار إنشاء رابطة التعليم المهني ورابطة موظفي الإدارة العامة.
لقد فوجئنا منذ يومين بتسريب قرار صادر عن وزير التربية حمل الرقم ٥٨٥، تاريخ ٢٦/٧/٢٠٢٣ والذي بقي طيّ الكتمان حتى تاريخه، وبموجبه يحسم الوزير من معاشات عشرات الأساتذة عقاباً لهم لامتناعهم عن الدخول الى صفوفهم وذلك لعجزهم عن تأمين بدلات الانتقال من مراكز عملهم وإليها، كما تعبيراً عن وجعهم وعدم قدرتهم على الاستمرار بهذا الوضع المعيشي المذري والمذلّ وعجزهم عن توفير الحد الأدنى من مقوّمات العيش اللائق لأولادهم وعائلاتهم بعدما تراجع دخلهم الشهري أكثر من ٩٠% دون أي تدبير رسمي لحل هذه المعضلة المستحكمة بمصير الأساتذة.
إننا نستهجن صدور قرار كهذا عن الوزير، ونعتبره قراراً متسرعاً وانفعالياً وواقعاً تحت تأثير من يرغبون في وضع الوزير في موقع المواجهة المباشرة مع المعلمين والأساتذة على أبواب بداية العام الدراسي الجديد، وخصوصاً أنه قرار يدل على عدم دراية مقترحيه والمحرّضين عليهم بتاريخ وتطورات حركة الأساتذة والمعلمين ونضالاتهم المطلبية، ولا بالحصانة النقابية التي يتمتعون بها، دون إغفال قدرتهم على المواجهة كما حصل مع تجارب سابقة.
هذا القرار يضرب عرض الحائط بالحقوق المكتسبة بالإضراب والتظاهر، وهو هروب الى الأمام، وإقرار بالعجز عن تلبية المطالب المحقة. ولطالما أكدت أنت شخصياً مراراً وتكراراً، وبصورة علنية، التزامك بتحقيقها وتعهّدك بتوفير الحوافز الكافية لهم، كما توفير بدلات الانتقال (ليترات البنزين) بما يمكّن الأساتذة والمعلمين من الوصول الى مراكز عملهم، واضعاً سقوفاً زمنية محددة لتنفيذ وعودك. لكن، مع الأسف، بقيت هذه الوعود والتعهدات حبراً على ورق، وآخرها عدم تقاضي المعلمين والأساتذة التعويض المؤقت (٤ رواتب) منذ أشهر، كما عدم توفير ليترات البنزين الموعودة.
إننا نعتبر قرار حسم الرواتب تأديباً وعقوبة تدبيراً متسرعاً وانفعالياً وفي غير محله، ولا يخدم مصلحة التعليم الرسمي ومصلحة الهيئة التعليمية والعملية التربوية، وهو سيسجل نقطة سوداء نافرة وواضحة ودائمة في سجل الوزير، باعتباره سابقة خطرة في تاريخ وزارة التربية وطعناً في ظهر الحركة النقابية والديموقراطية على السواء.
مما تقدم، فإننا نشدد على دعوة الوزير إلى العودة عن قراره وإلغائه واعتباره كأنه لم يكن، كي لا يسجل على نفسه سابقة لم تسجل في تاريخ العمل النقابي. والعودة عن هذا القرار ستساهم في تخفيف الاحتقان الواسع في أوساط الجسم التعليمي، الذي بات يلامس القرار المباشر بمقاطعة إطلاق العام الدراسي مترافقاً مع سخطه الكبير لما يعانيه الجسم التعليمي من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والصحي الخانق.
كما ندعو رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي إلى تجاوز كل الاعتبارات مهما كانت، انطلاقاً من أهمية وضرورة وحدة الجسم التعليمي، والتصدّي لهذا القرار وإسقاطه بكل السبل واتخاذ الموقف المناسب والكفيل بالعودة عنه لما يستطبنه هذا القرار من استحضار للمادة ١٥ من المرسوم الاشتراعي ١١٢ الصادر سنة ١٩٥٩ (بما يعيد الحركة النقابية في حال اعتماده الى عصر القمع البوليسي للسلطة وإلى ظلامية عهد الانتداب)، كما اعتبار هذا القرار مقدمة للانقضاض على الإنجازات الكبرى للحركة النقابية للأساتذة والمعلمين، وفي مقدمها إنجاز فرض وتكريس الممارسة النقابية وتأسيس الروابط للمعلمين في التعليم الأساسي ولأساتذة التعليم الثانوي والمهني والإدارة العامة وأساتذة الجامعة اللبنانية وذلك منذ عام ١٩٧٣ حتى تاريخه.

* نقابي