تتعرّض شبكة الإنترنت الرسمية لهجومات سيبرانية ضخمة منذ أكثر من عشرة أيام. وحتى الآن، أفلتت هذه الشبكة بأعجوبة من انهيار شامل، إذ لم يشعر المستهلكون إلا بتقطّعات في الحصول على خدمة الإنترنت من «أوجيرو» لا تتجاوز دقيقة ونصف دقيقة في كل مرّة، مع تكرار حصول الأمر أكثر من مرّة في اليوم الواحد. وقد شعر أيضاً المشتركون في الهاتف الخلوي (تاتش وألفا) بتقطّعات هي ناتجة من ارتباطهما بشبكة أوجيرو لخطوط الإنترنت الدولية من دون أن تتعرّض شبكتاهما لهجمات مباشرة.وبحسب مصادر مطّلعة، فإن حجم الهجمات تجاوز 680 جيغابيت، بينما القدرة المتاحة للحماية لدى أوجيرو لا تتجاوز 60 جيغابيت. وسبب ضعف الحماية، أو غيابها، يعود إلى أن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة رفض أن يدفع في 2021 ثمن توسيع رخصة البرنامج المتخصّص بتقديم الحماية اللازمة من شركة «آربور». ففي هذه الفترة تراكمت مستحقات مالية للشركة لم يكن بالإمكان تسديدها ولا تسديد ثمن توسعة قدرة البرنامج على صدّ هجمات أكبر. والهجمات السيبرانية تستهدف إغراق الشبكة بعمليات اتصال كثيفة ومتواصلة، ما يؤدّي إلى شلّها عن العمل. كلما كانت الهجمات أكبر، كان الشلل والتعطيل في الشبكة أوسع وأطول مدة. أما وظيفة برامج الحماية، فتكمن في إعادة توزيع الضغط الناتج من الإغراق في أكثر من اتجاه أو صدّها بشكل نهائي، ما يتيح للشبكة العمل ضمن الوضع الطبيعي المصمّمة على أساسه.
وانعكس هذا الأمر سلباً على خدمة الإنترنت من أوجيرو ومن شركتَي الخلوي أيضاً، «تاتش» و«ألفا». فالثلاثة لديهم عقود مع هذه الشركة المتخصّصة، إنما لم يتم تجديدها ربطاً بقرار اتخذ في وزارة الاتصالات بالحصول على عقد موحّد مع الشركة لتخفيف الكلفة وتوسيع مروحة الخدمات. وفي هذه الفترة، تبيّن أن وزير الاتصالات جوني القرم قرّر أن يتجاوز مسألة نقص التمويل بالعملة الأجنبية، من خلال شراء خدمة مماثلة من شركة «أورانج» الفرنسية تكون ضمن عقد موحّد لكل من «أوجيرو» و«تاتش» و«ألفا». لكنه اصطدم بمشكلة أساسية، وهي أن «أورانج» ستعطيه الخدمة من خارج لبنان، وبالتالي سيكون لديها وصول على داتا الاتصالات بكاملها، وستكون متحكمّة بالمطلق بآليات وأهداف التصدّي للهجمات السيبرانية. أي أن العقد مع «أورانج» سيجعل شبكتي «تاتش» و«ألفا»، بالإضافة إلى مشتركي «أوجيرو» وكل المعطيات الخاصة بالمستهلكين، على خوادم الشركة الفرنسية خارج لبنان.
حتى الآن، إن الهجمات لم تطاول سوى شبكة أوجيرو التي ما زال لديها مرونة للتحكّم في عملية إعادة توزيع جزء من الضغط عبر نقله إلى سنترالات أخرى، إنما المشكلة الأساسية تكمن في أن شركتَي «تاتش» و«ألفا» ليس لديهما هذه المرونة، إذ إن أي ضغط واسع عليهما سيضع جدران الحماية الأولية الحالية أمام حالة صدمة قد تؤدي إلى انهيار الشبكة. حالياً، التقطعات الحاصلة في خدمات الإنترنت من خلال «تاتش» و«ألفا» سببه أن الشركتين تعتمدان على سنترالات أوجيرو لتقديم الخدمة بشكل عام، فأيّ انقطاع في مولّد كهرباء في السنترال سينتج ضغطاً إضافياً، ولو جزئياً، على خدمات «تاتش» و«ألفا»، فضلاً عن أن الشركتين تحصلان على الإنترنت من خلال سنترالات أوجيرو والخطوط الدولية التي تديرها وتشغّلها أوجيرو لحساب وزارة الاتصالات.
قد يكون واضحاً سبب امتناع أو تأخّر أوجيرو عن تسديد فواتير الحماية للشبكات، إنما ليس واضحاً هذا الأمر بالنسبة إلى شركتَي «ألفا» و«تاتش» اللتين تملكان القدرة المالية لتسديد ثمن تجديد وتوسيع الترخيص من شركة «آربور»، وهذا الأمر يقع حصراً بيد وزير الاتصالات.