لبنان لا يحمي بيئته. ليس الخبر جديداً. ولكن هناك مؤشّرات تستمرّ في صدم المراقب العادي، وخصوصاً لدى الملاحظة أن بلداناً أخرى تحقّق تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، مع العلم بأنّها لا تتمتع بالخصائص الطبيعية السائدة في «بلاد الأرز». أحد تلك المؤشرات هو مساحة الأراضي المحمية وطنياً. فبحسب التقرير الإحصائي الشامل لعام 2013 الذي أعدّته منظمة الغذاء والزراعة (FAO)، لا تتعدّى تلك المساحة 0.5% من إجمالي مساحة الأراضي في لبنان. وهي النسبة نفسها المسجّلة في عام 1990.
هكذا يكون لبنان من بين أسوأ ثلاثة بلدان في العالم وفقاً لهذا المؤشر، وأداؤه أسوأ من أداء الصومال حتّى!
اللافت هو أنّ بلداناً أخرى في منطقة غرب آسيا التي ينتمي إليها لبنان سجّلت قفزات مهمّة خلال السنوات العشرين الماضية على مستوى حماية أراضيها المهدّدة. ففي عمان، ارتفعت النسبة المحمية من صفر في المئة إلى 10.7%، وفي السعودية سجّل ارتفاع ضخم من 7.6% إلى 31.3%.
أمّا المؤشر الآخر على هذا الصعيد، فهو مساحة المياه المحميّة وهي 0.1% من المياه الإجمالية، مقارنة بنسبة 2.6% في الإمارات العربية المتّحدة.
يُشدّد تقرير المنظمة التابعة للأمم المتّحدة على أهمية الزراعة في الاقتصادات الوطنية وللعولمة عموماً. يقول إنّ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة عالمياً تبلغ 1.5 مليار هتكار _ أي ما يمثّل 12% من الأراضي الإجمالية على المعمورة. ويعيش حالياً قرابة 3 مليارات نسمة في العالم في المناطق الريفية، يستمدّ أكثر من 83% منهم مقوّمات حياتهم من الزراعة. ولذا فإنّ هذا القطاع يُمثّل لعديد من دول العالم، وتحديداً النامية منها، محركاً مهماً للنموّ الاقتصادي.
أما في لبنان، فتبلغ مساحة الأراضي اللبنانية الإجمالية مليون هكتار تقريباً، منها 67.3% للزراعة، 13.4% للغابات، فيما 19.4% لاستخدامات أخرى.
وتساهم الزراعة بنسبة 6.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي هنا، مقارنة بنسبة 21.4% تؤمّنها الصناعة، لتبقى الحصّة الكبرى لمصلحة الخدمات (من الضيافة وصولاً إلى الصيرفة) وتبلغ 72.4%.
لا يشذّ لبنان في هذه المؤشرات كثيراً عن السائد على المستوى الكوني. الفارق هو أنّ تكثيف الزراعة في مساحات هائلة أصلاً، مقارنة بزراعات بدائية في مساحة ضيقة، يجعل لبنان متأخراً ومطالباً بإيلاء الأهمية اللازمة للقطاع الزراعي عوضاً عن المضي قدماً في استيراد 80% من حاجاته الغذائية.
وبحسب المنظمة، فإنّ لبنان يعتمد بنسبة 88.5% على الاستيراد لتأمين احتياجاته من الحبوب، وهو من بين أعلى المعدّلات المسجّلة عالمياً.
وتزامن إطلاق التقرير مع انعقاد اجتماعات الهيئة العامة في الدورة الـ38 للمنظمة في روما. خلالها، لفت المدير العام لوزارة الزراعة، لويس لحود، إلى بعض المؤشرات التي تجدر معالجتها لضمان الأمن الغذائي لهذا البلد الصغير الذي زاد عدد سكانه أخيراً بأكثر من الثلث نتيجة تدفّق موجات اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب الدائرة في بلادهم.
بحسب لحوّد، فإنّ المساحة الزراعية المستثمرة في لبنان، التي تقدر بحوالى 230 ألف هكتار، تُعدّ مساهمتها ضئيلة جداً في الناتج المحلي الإجمالي، مع العلم بأنّ «هذا القطاع يوفر معيشة حوالى ربع اللبنانيين بطريقة مباشرة وغير مباشرة».
تُعيد وزارة الزراعة ارتهان لبنان للاستيراد لتأمين حاجاته الغذائية إلى «ضيق المساحة». ولكن وفقاً للحّود، «تتيح الظروف المناخية والزراعية وتوافر المياه التي يتميز بها لبنان في منطقة الشرق الأوسط المجال الواسع لتنوع الزراعات، ولا سيما الزراعات ذات القيمة المضافة».
ووضعت الوزارة في عام 2009 استراتيجية للنهوض بالقطاع حتّى عام 2015، ترتكز على ثمانية محاور رئيسية، أهمها: تحديث التشريعات اللازمة وإصدارها، وتقوية الرقابة على المدخلات والمنتجات الزراعية وتفعيل الإرشاد الزراعي والحفاظ على الموارد الطبيعية.
ولكن كما في مختلف القطاعات، عادة ما تتعرّض المشاريع للعرقلة. وقد أشار وزير الزراعة حسين الحاج حسن إلى هذا الأمر أخيراً، بالكشف عن أنّ قرارات اتخذت العام الماضي، منها ما هو متعلّق بزراعة الشمندر السكري وأعلاف الاغنام والماعز، «لم تحوّل أي ليرة (في إطارها) حتى الآن، علماً بأننا أنجزنا المراسيم منذ تشرين الأول 2012».
هناك «مسؤول» عن هذا الأمر، والوزير يرفض تسميته، ولكن ببقاء المشاريع معطّلة، فإنّ احتضان وتنمية المجتمعات في المناطق الريفية الحدودية سيكونان صعبين «وستتحوّل تلك المناطق في ظل الإهمال والضغوط المستجدة إلى أحزمة فقر وقنابل اجتماعية موقوتة»، بحسب تحذير لويس لحود.
إذاً، فالاهتمام بالزراعة ليس فرضاً بيئياً وحاجة غذائية فقط، بل ضمانة لاستقرار اجتماعي منشود.
(الأخبار)