عند الحديث عن المشهد الإعلامي العربي في عام 2010، لا بدّ من الانطلاق من النهاية، أي من وثائق «ويكيليكس» التي شغلت العالم. وبدا واضحاً أن هذه التسريبات لم تُحرج الزعماء العرب فقط، بل شملت أيضاً إعلامنا. وفي وقت تنافست فيه الصحف العالمية على نشر الوثائق، وجدت الجرائد العربية نفسها في مأزق يتعلق بحرية النشر والتعبير. وبينما تفاوتت ردود فعل الحكومات على الفضائح المنشورة، كانت وسائل الإعلام العربية شبه موحّدة في تعاطيها مع الأمر. ربّما لأنها تدرك أن نشر هذه الأسرار في مختلف أنحاء العالم لا يعني إمكان نشرها على صفحاتها.طبعاً حال الميديا العربية غير مرهونة بـ«ويكيليكس»، بل يظهر الوضع المأساوي بوضوح في مختلف البيانات المحلية والدولية. نظرة إلى تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2010 توضح كل شيء: الدول العربية التي تمثّل 10 في المئة فقط من دول العالم، احتلت ثلث قائمة «أسوأ دول لحرية الصحافة وأوضاع الصحافيين». وتضمّنت المراكز العشرة الأخيرة ثلاث دول عربية هي السودان، وسوريا، واليمن. أما لبنان، وهو الأفضل ترتيباً في العالم العربي، فقد جاء في المركز 78، متراجعاً عن موقعه في عام 2009...
النسب والأرقام السابقة يمكن بسهولة تحويلها إلى لحم ودم من خلال الاطلاع على تقارير المنظمات الحقوقية، وتعداد ما ترصده من اعتقال صحافيين ومدوّنين بل اختفاء بعضهم تماماً. وهي اعتقالات منهجية أو عشوائية تستهدف بثّ الرعب وفرض الرقابة الذاتية داخل كل صحافي عربي. كل ذلك تحت اتهامات تراوح بين «إضعاف الشعور القومي» وصولاً إلى «الانضمام إلى عصابة إجرامية والإخلال بالنظام العام». وليس غريباً في ظل ذلك أن يلاحظ تقرير أصدرته شركة «سبوت أون» أن عدد مشتركي «فايسبوك» في العالم العربي قد تجاوز للمرة الأولى ـــــ هذا العام ـــــ عدد المشتركين العرب في الصحف بلغاتها العربية والإنكليزية والفرنسية.
باختصار، لا يمكن القول إنّ 2010 شهد أي تغيّر إيجابي في نهج السلطات العربية تجاه حرية الصحافة. على العكس، ازدهرت «صناعة» التضييق على الصحافيين من سوريا إلى تونس، ومن العراق إلى فلسطين، مروراً بأغلب دول الخليج. هكذا مثلاً استقال (أو أُقيل) جمال خاشقجي للمرة الثانية من رئاسة تحرير صحيفة «الوطن» السعودية، بعد نشره مقالة انتقد فيها الفكر السلفي. وفي الإطار نفسه، قدّم عبد الرحمن الراشد أيضاً استقالته من العربية بسبب برنامج عرضته القناة انتقد الفكر الوهّابي. ولكن سرعان ما عاد «الرجل الأقوى في «العربية» عن هذا القرار. أما نهاية 2010 في السعودية، فكانت مع منع عبد الله المغلوث من الكتابة بعد مقالة انتقد فيها بقاء المسؤولين المزمن على كراسيهم. كذلك حُجب موقع «إيلاف» فجأة من دون معرفة الأسباب، وفُصل نهائياً في دعوى حقوق الملكية الفكرية للمسلسل الرمضاني الأشهر «طاش». ومن السعودية إلى قطر، قدّمت أربع مذيعات استقالاتهن من المحطة من دون أن تتوضّح الأسباب النهائية لذلك، وإن كانت الإعلاميات الأربع قد تحدّثن عن مشاكل عمرها سنوات بينهن وبين الإدارة.
إذاً، يبدو المشهد في كل الدول العربية واحداً لناحية القمع، إلا أن للعراق حصّته الخاصة: بين الاحتلال الأميركي، والمجموعات الإرهابية، وممارسات الحكومة القمعية، لم يبق للصحافي العراقي أي متنفّس. وكما هي الحال منذ الغزو الأميركي لبلاد الرافدَين، قُتل في 2010 عدد من الإعلامين قد يكون أبرزهم سردشت عثمان الذي وُجدت جثّته في الموصل، إلى جانب مازن البغدادي، وطاهر جواد، ورياض السراي... واحتجاجاً على غياب أي شكل من أشكال الحماية، بدأ الإعلاميون العراقيون بتنفيذ تحركات في مختلف المناطق من خلال مسيرات احتجاجية، وحملات تضامن على الإنترنت.