من منفاه الموزّع على المدن يرصد الشاعر المخضرم، ورئيس تحرير «كتاب في جريدة»، التماعات الأمل في الليل العراقي، مواكباً الولادات والوعود. لنقرأه مرحّباً بمواطنيه في بيروت

شوقي عبد الأمير*
من أُرومةِ القيثارة
ومن أُبوّةِ القُربان،
جاؤوا،

من غرينِ القصائدِ الأولى
من صَلصال كونوش كادرو
من إكسير الملاحم
من قوافي المغنين الجوّالين
ومن مناجم الذهب المتخثّر
في وادي الرافدين
جاؤوا

من شارع المتنبّي بعد أن أزاحوا رمادَ الكتبِ المحترقةِ عن الأرصفة
ومسحوا عن واجهاتِ المكتباتِ غُبارَ الأجساد المتطاير في الهواء،
جاؤوا

من أطيافِ الليل العبّاسي التي ما زالت تحتمي بجدرانِ الجامعةِ المستنصريّة
ومقبرةِ السيّدة زبيدة وأشلاء الباب الوسطاني،
جاؤوا

من شارع أبي نؤاس
يتطوطحُ تمثاله وسط المتفجّرات وحطام العجلات
وفحم الكائنات وقد نضبت لياليه وكؤوسه ونهره،
جاؤوا

من شارع الرشيد
يتمدّد وسط العاصمة مثل هيكل عظمي مندثر
لحوتٍ عظيمٍ خرجَ من أعماق الخرافة البغدادية
ليموتَ وسط المارّة،
جاؤوا
من المقاهي المزدحمة بأشباح الراحلين والغائبين
من قصص المنفيين والمطرودين وصور الشهداء
جاؤوا

من أنقاض بغداد التي تنهض كل يوم
خلفَ متاريس الجنود الغزاة ووعيد برابرة الآيات
وبقايا الديكتاتوريات،
جاؤوا

من بصرةِ السيّاب ونجفِ الجواهري وبغداد نازك الملائكة
وكركوك سرجون بولص وكردستان بلند الحيدري،
جاؤوا

من بين المفخّخات والرايات والقتل اليومي والتهجير والخطف
والمسدسات الكاتمةِ لأصواتها لا لأصوات العراقيين،
جاؤوا

من وراء أسوار الحصار وخنادق القطيعة واللااكتراث العربيّة،
جاؤوا

من مركبٍ قديمٍ لم يزل يطفو على دجلة
لا يبحرُ إلّا في مداراتهم وأنهارهم السكرانةِ
بالوجدِ والشعرِ والغضب
جاؤوا

من بيتٍ بين النهر والسماء وبين الصباح والرصيف
هناك حيث لا جدار، لا سقف، لا نجفات
لا أبواب، لا نوافذ، لا عتبات
من «بيت الشعر العراقي»
جاؤوا

أحمد عبد الحسين، سهيل نجم، حسام السراي، محمد ثامر يوسف
ومعهم المئات من أطياف شعراء العراق إلى بيروت في «مسرح بابل»
يحملون معهم الإصدار الأوّل لمجلّة أعطوها اسم
«البيت»
بيتٌ لا بيتَ له
ولا بيتَ لهُم سواه.
* شاعر عراقي

(ألقي النص خلال احتفاليّة «مسرح بابل» بشعراء العراق، بيروت 30/8/2010)