عشرون منحوتة في غاليري B21، تأخذنا إلى قدسية الجسد وطقوسيّته كما صاغها النحات الإيطالي. إزميل معاصر يستفيد من تراكمات الموروث النحتي الكلاسيكي الرومانسي
دبي ــ حازم سليمان
تتلمذ النحات الإيطالي جيوسيبي برغومي Giuseppe Bergomi (1953) في محترفات عدد من كبار النحاتين المعاصرين في إيطاليا. بدأ حياته المهنية على خشبات المسارح ممثلاً ومؤلفاً، إلا أن اسمه اقترن بتجربة نحتية خاصة. منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، خاض برغومي معارك تنظيرية وعملية في مواجهة ما سماه «فوضى» النحت في العالم، معتبراً أنّ «طفرة الحداثة البصرية خربت جوهر النحت وضرورته في الحياة».
أفكاره الداعية إلى استعادة النحت لمكوناته الكلاسيكية، والاستفادة من تراكمات الموروث النحتي الكلاسيكي الرومانسي تعرضت لاعتراضات وحصار من قبل مؤسسات فنية مؤثرة.
ظلّت أعمال برغومي حبيسة محترفه وبعض المعارض الفردية، ومحدودة التأثير حتى عام 1992. في تلك السنة أقام له «متحف نيويورك للفن الحديث» معرضاً استعادياً ضخماً سلّط الضوء على مشروع نحتي بات اليوم علامة فارقة على نطاق عالمي.
التشخيص أساسي في تجربة برغومي. الالفة التي تمنحها20 منحوتة تستضيفها صالة «بي 21» في دبي حتى 28 أغسطس (آب) الجاري سرعان ما تتبدل أمام تعبيرية مؤثّرة، واقتناصات مُربكة من الجسد البشري. تفاصيل مغوية تتحوّل إلى جمل بصرية متداخلة يستفيد بعضها من بعض لمصلحة حكائية تروي سيراً إنسانية.
رهان برغومي على التحولات العميقة في حياة الإنسان قاده إلى استحضارات شكلية دقيقة مبنيّة على إيقاع صارم.
الشخوص عالقة في لحظات درامية فاصلة. تعطيل الحراك الخارجي ضرورة بصرية لإبراز صخب داخلي. ضرورة تعكسها تكوينات متوثبة عالقة في فضاء رمزي قوامه الزمن، وردود فعل متباينة بين استلاب ورفض ينعكسان في طرق معالجة الكتلة، وانزياحاتها عن قالبها الكلاسيكي. يظهر ذلك خصوصاً في تكوين الأطراف التي تكسر نمطية الشكل، ومعناه المباشر.
يغامر برغومي في خلق تقاطعات بين نحته ومجسمات عرض الألبسة (المانوكان). يرصد حالات تفريغ الإنسان المعاصر من معناه الحقيقي، وتدنيس وحشيته، واستئناسه. يذهب بعيداً إلى قدسية الجسد، يضعه في فضاء طقوسي. الأضحية، والأيقونة، والمحرم، قبل أن يُدنّسه ويحيله إلى لذة خالصة.
ثمّة قراءة مُستترة لتاريخ طويل من استعباد الجسد واستخدامه. في معارض عالمية عدة، حاول برغومي أن ينجز تأريخاً للجسد وتحولاته من خلال أشكال تراعي خصوصية الأعراق والأجناس البشرية.
شخوصه العارية فجّة وثقيلة الوقع على العين. تضخيمه للأجزاء الحميمة على حساب مواقع أخرى من الجسد، فيها إعلاء لشأن الغريزة الحرة غير المنمّطة. قراءته الشكليّة الخاصة لمواقع الحواس الأساسية، والمفارقات في العمل الواحد الذي يتكرر بنسخ متعدّدة ومتباينة، يشبهان إلى حد كبير ما قدمته النظريات الطبيعية لتدهور حواس الإنسان وتغير جوهر علاقته بالعالم الخارجي.
يقتفي برغومي في أعماله ذات المقاسات المتفاوتة لحظات إنسانية عدّة، يلخّصها، يؤكّد عليها. يصل إلى مكامن ومناطق على درجة عالية من الحسية. يضع شخوصه في اختبارات تتكشف فيها الأفكار والمشاعر على اختلاف تناقضاتها وأزماتها.


حتى 28 أغسطس (آب) الجاري، صالة «بي 21» دبي. للاستعلام :
0097143235052


بين إيطاليا وفرنسا

ولد النحات الإيطالي جيوسيبي برغومي في عام 1935 في منطقة بريسيا في لومبادريا (شمال إيطاليا). أمضى قسماً من شبابه في فرنسا قبل أن يعود إلى بريسيا، وقد خصص له متحف في منطقة مونتيشياري. أقام العديد من المعارض التي كرّست اسمه كأحد كبار النحاتين المعاصرين في إيطاليا.