الشيوعيّة والإسلام وجنّة الحريّة الموعودة
انتقلت روايتاه إلى المكتبة العربية عن «دار دال» في دمشق. لكنّ القارئ لن يجد في «عدّاء الطائرة الورقية» و«ألف شمس مشرقة» تلك اللمسة الصادمة التي تميّز مواطنه عتيق رحيمي. بل سيقع على تجاهل للاحتلال الأميركي لأفغانستان... وتعاط سطحي مع الواقع المعقّد والمرير!

خليل صويلح
فيما كانت الطائرات الأميركية تقصف أفغانستان، كان خالد حسيني (1965) يضع اللمسات الأخيرة على روايته الأولى «عدّاء الطائرة الورقية» (2003). الرواية التي ستحجز مكانها بين الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا، وتبيع أكثر من 12 مليون نسخة، وانتقلت إلى الشاشة الكبيرة، أتت في وقتها تماماً. ها هو كاتب أفغاني يزيح اللثام عن ثقافة مجهولة آتية من بلاد مضطربة، أحكمت «طالبان» قبضتها عليها. نجاح العمل الأول شجّع الطبيب الأفغاني المقيم في كاليفورنيا وسفير النيّات الحسنة لـ«مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» على كتابة روايته الثانية «ألف شمس مشرقة» (2007). لكن في الروايتين اللتين صدرتا أخيراً بلغة الضاد عن «دار دال» في دمشق، لن تجد تلك اللمسة الصادمة التي دشّنها مواطنه عتيق رحيمي، لجهة النبرة الشعرية في نبش الموروث المحلي (ألف منزل للحلم والرعب). هذا الروائي يقتنص الغرائبي لرسم خريطة سردية تبهر عين الآخر في المقام الأول. لذلك، يبدو حذره واضحاً في مقاربة الوجود الأميركي في أفغانستان، رغم أن وقائع روايته الأولى «عدّاء الطائرة الورقية» (ترجمة منار فياض)، تبدأ مباشرةً إثر أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. الراوي «أمير» يهاجر مع والده من كابول إلى أميركا ــــ جنّة الحريّة الموعودة ــــ بعد الغزو السوفياتي لبلاده. ثم يعود إليها بعد أن حلّ «الإسلام» مكان الشيوعيّة، في محاولة لتصحيح أخطاء وآثام ارتكبها بحق صديق عمره حسن، فيشهد حجم الخراب الذي خلّفته «طالبان» في البلاد. حسن هو ذلك الفتى الذي بذل روحه من أجل أمير، لينتهي برصاصة في صدغه، على أيدي «عصابات» طالبان.
يستعيد خالد حسيني بحنين وشغف طفولة هانئة، هي الوجه الآخر لزمن الحكم الملكي في أفغانستان. اضطراب تلك الطفولة يتواكب مع الانقلاب العسكري الذي تشهده البلاد في السبعينيات. هكذا يمضي خالد حسيني في استرجاع أمكنة منهوبة، على خلفية سيرة ذاتية تنهض على الحنين. حنين إلى حضارة انتهت إلى حطام. سيشدّه حسّ المغامرة إلى اقتفاء أثر ابن صديقه حسن الذي انتهى في ميتم للأطفال، ليكتشف أنه في عهدة أحد أمراء الحرب. لكنّ المفاجأة تكمن في تحوّل أحد زملائه في المدرسة إلى صفوف «طالبان»، وسيتواجهان في معركة دامية لاسترداد الطفل المحتجز، تنتهي باستعادة زهراب وترحيله إلى الولايات المتحدة: ملاذ «الحريّة» الوحيد الباقي!
مفارقة أخرى يعيشها أمير، حين يخبره صديق والده المحتضر بأنّ حسن ليس مجرد ابن خادم لدى والده، بل شقيقه غير الشرعي. لعل الحسّ الاستشراقي لدى خالد حسيني في توصيف المعادلة الأفغانية، هو ما جعل هوليوود تختطف الرواية في شريط سينمائي من إخراج مارك فورستر، بوصفها رواية مغامرات مشوّقة، أكثر منها صورة واقعية للمجتمع الأفغاني ما بعد الحرب.

هوليوود اقتبست روايته الأولى بسبب حسّها الاستشراقي ونظرتها الاختزاليّة إلى المعاناة الأفغانية

عدا شخصية ثريا التي سيتزوجها أمير في أميركا، تخلو الرواية من أي شخصية نسائية أخرى. لهذا ربما، خصص روايته الثانية «ألف شمس مشرقة» (ترجمة مها سعود) لشخصيات نسوية، إذ تتناوب أحداث الرواية شخصيّتا مريم وليلى في مكابدات حياتية لا تُحتمل. مريم «ابنة حرام» من رجل يتزوج نساء عديدات، تجد نفسها وهي في الخامسة عشرة في أحضان رجل جلف ومستبد، بوصفها الزوجة الثالثة له. تنتقل معه من هرات إلى كابول، في جحيم يومي، تستكمله تقاليد «طالبان» الصارمة. في الشارع نفسه، تقطن عائلة ليلى المتعلمة، لكنّ قذيفة مدفع تطيح عائلتها كاملة، لتجد نفسها وحيدة، بعدما أنقذها رشيد زوج مريم من تحت الأنقاض. ما إن تستعيد عافيتها حتى تجد نفسها أمام خيار وحيد هو الموافقة على الزواج من رشيد. هكذا تجمع الأقدار البائسة مريم وليلى، فيما تشتد قبضة «طالبان» على الحياة في كابول، فتحوّل حياتهما إلى كابوس، في ظل أوامر وفتاوى صارمة.
عنف «طالبان» في الخارج يوازيه عنف رشيد في الداخل. لعل هذا ما يجمع مريم وليلى مجدداً، لتتناسيا ضغائنهما المتبادلة، وخصوصاً بعد أن تنجب ليلى بنتاً تسميها عزيزة، هي في الواقع ثمرة حب محرّم عاشته ليلى مع طارق الذي هاجرت أسرته إلى باكستان. تعاملها مريم كابنة لها، وامتداد لسيرتها. أما رشيد، فيجد في الطفلة لعنةً إضافيةً، فيزداد عنفه تجاه زوجتيه. وفي لحظة مباغتة، تستجمع مريم تاريخها المقهور بأكمله، فتحضر معولاً وتحطم رأس رشيد، لإنقاذ ليلى من موتٍ محتّم. أما هي فتُعدمها طالبان في استاد رياضي.
«لا أحد يستطيع أن يعدّ الأقمار التي تشعّ على أسطحها/ أو الألف شمس مشرقة التي تختبئ خلف جدرانها» تلك كانت قصيدة للشاعر صائب التبريزي في وصف أفغانستان القرن السابع عشر. أما أفغانستان اليوم، كما يراها خالد حسيني، فإنها غابة سوداء مظلمة... إلى حدّ الكليشيه والتضخيم الكاريكاتوري أحياناً.