انطلق المخرج الفلسطيني في تحقيق حلمه الأثير وبدأ تصوير عمله الملحمي. «أنا القدس» يقدِّم صورةً حيةً وحقيقيةً لـ«زهرة المدائن» بدءاً من عام 1917 حتى زمن النكسة والانكسارات الكبرى
وسام كنعان
لم يتوقّف طيف الأقصى عن ملاحقة باسل الخطيب. على مدى سنوات، قدّم المخرج الفلسطيني أعمالاً عن القضية الفلسطينية منها مسلسل «عائد إلى حيفا» و«يحيى عياش»، وفيلم «قيامة مدينة»... لكن اليوم، بدأ الخطيب بتحقيق أحد أحلامه الأثيرة بعدما انطلق في تصوير عمل ملحمي يحكي مأساة القدس. عن روايته «أحلام الغرس المقدس» التي كتبها الخطيب عام 1990، أعدّ المخرج مع شقيقه تليد النص التلفزيوني ليحمل اسم «أنا القدس» بعدما استمر العمل عليه ثلاث سنوات. وقد عادت ورشة السيناريو المصغّرة إلى مصادر عدة بينها كتاب «فلسطين» لروجيه غارودي، و«القدس» لسامي الحكيم، و«المذكرة الفلسطينية» لوالد المخرج الشاعر يوسف الخطيب.
وقد انطلق التصوير منذ أيام في أحياء دمشق القديمة بسبب تقاربها العمراني مع القدس. وسيؤرخ المسلسل لـ«مدينة السلام» مركزاً على خمسين سنة مصيرية من تاريخها بدءاً من عام 1917 ثم مرحلة الانتداب البريطاني حتى عام 1967 وسقوط القدس وفلسطين بأكملها تحت الاحتلال الإسرائيلي. ستمضي أحداث المسلسل في خطين يتقاطعان حيناً ويفترقان أحياناً، ليقدما في النهاية صورةً حيةً وحقيقيةً للقدس ومأساتها الكبرى. هذه الصورة لا تعتمد فقط على الكتب الأكاديمية والروايات الرسمية وتضاريس الأحداث السياسية، بل عبر شهادات واعترافات أهلها العرب الذين عايشوا أحداثاً استثنائية في زمن استثنائي.
من خلال هذه البنية، يحقق المسلسل عملية «التوثيق» بكل ما تتطلبه من فن «التشويق». ويتضمّن الخط الدرامي الأساسي للعمل حكاية عائلة فلسطينية تسكن القدس، ثم يموت عميدها بعد أن يشهد سقوط المدينة في يد الجيش البريطاني تاركاً عائلته تواجه المستقبل المظلم والغامض. ونتابع حياة ابنه الوحيد الذي يرحل بعد احتلال كامل المدينة بعد خمسين عاماً من الصراعات والثورات والحروب. ومن خلال أبناء عميد العائلة وأحفاده، يضيء المسلسل على الأحداث الكبيرة التي تواجه القدس من خلال ثلاثة أجيال متعاقبة. يستشهد بعضهم دفاعاً عن البلاد، بينما يغادر بعضهم الآخر إلى دول عربية مجاورة طلباً للعلم، وينخرط آخرون في المقاومة بأشكالها المختلفة، السياسية والعسكرية والفكرية.
سيسهل تسويق العمل بسبب اعتماده على مجموعة من النجوم أبرزهم فاروق الفيشاوي
«بدأت الفكرة للمسلسل منذ عشر سنوات وتبلورت لتتحول الرغبة بإنجاز فيلم سينمائي إلى مسلسل تلفزيوني» يقول باسل الخطيب لـ«الأخبار» شارحاً الخطوات التي اتبعها صنّاع العمل لمواجهة مطبّ الحصار الفضائي إزاء مسلسلات مماثلة. يقول: «تبدي الفضائيات بعض التحفظ في ما يتعلق بالمسلسلات ذات المواضيع الوطنية والفلسطينية تحديداً، لما لهذه القضية من حساسية وتعقيدات شديدة. لكن الآن، بدأت بعض المحطات تبدي اهتماماً لعرض هذا المسلسل. وبرأيي، فإنّ مسلسلاً من هذا النوع يشرِّف أي فضائية ستعرضه».
لكن ماذا عن مستوى المسلسل، وخصوصاً أنّ هناك أعمالاً قدمت عن القضية الفلسطينية فقيل إنّها أساءت لها بسبب مستواها المتواضع؟ يجيب الخطيب: «بعد عقود طويلة مرت على الكارثة الفلسطينية، عجز الإعلام والفضائيات العربية والمعنيون بالثقافة عن تقديم أعمال تليق بالجرح الكبير، بل صارت القضية الفلسطينية موجةً يركبها كثيرون. أجل، هناك مَن أساء إلى القضية بسبب ما قدّمه من أعمال رديئة فيما لم تتجاوز الأعمال الهامة أصابع اليد الواحدة. ويبقى للموضوع الفلسطيني خصوصيته. لذا، يفترض بمن يطرح هذه القضية ضمن عمل فني أن يكون على دراية كاملة بالموضوع».
من جانب آخر، نسبت بعض الصحف إلى الخطيب قوله إنّ مسلسل «صرخة حجر» التركي فتح شهيته لاستكمال مشروع مسلسل «أنا القدس». هنا، ينفي الخطيب ذلك بشدة. إذ يعتبر أنّه لا يحتاج إلى محرِّضات خارجية كي يقدم عملاً عن قضيته، مضيفاً: «أستغرب فعلاًَ تحفظ الفضائيات إزاء عرض بعض الأعمال العربية فيما تشرِّع أبوابها للأعمال التركية».
إذاً، سيدخل الخطيب السباق الرمضاني بعمل حسّاس من إنتاج شركته (جوى للإنتاج الفني) وبمشاركة «شركة أفلام محمد فوزي» المصرية. وسيمثّل المسلسل عودةً قويةً له إلى الدراما السورية بعد غياب سنتين. والرهان سيكون هذه المرة ــــ حسب الخطيب ــــ على تقديم تاريخ وواقع متشعّب لم تقدّمه الدراما سابقاً. إضافة إلى تحقيق متعة المشاهدة، سيبرز المسلسل نضال أهالي القدس ضد الاحتلال البريطاني سابقاً والصهيوني لاحقاً. وربما سيسهل تسويق العمل هذه المرة بسبب اعتماده على مجموعة كبيرة من نجوم الدراما السورية والعربية ومنهم: كاريس بشار، وعابد فهد، ونضال نجم، وصباح الجزائري، وصبا مبارك، وتاج حيدر، وتيسير إدريس، ومنذر رياحنة إضافة إلى النجم المصري فاروق الفيشاوي.


فلسطين الحياة

إضافة إلى مسلسل «أنا القدس» الذي يجري تصويره في دمشق، يستعد باسل الخطيب لإنجاز فيلم يحكي عن القدس أيضاً. وعن هذه التجربة، يقول: «الفيلم مقتبس عن أحداث حقيقية جرت في فلسطين أواخر عام 1947 ومطلع عام 1948 ويتحدث عن مصير فتاة مقدسية كانت تعيش في المدينة التي كانت آنذاك محوراً لصراعات كبيرة». ويضيف الخطيب عن الخط الدرامي الذي يطرحه الفيلم: «يرصد الشريط مصير هذه الفتاة التي تدعى «حياة» ويروي كيف يمكن إنسانة بسيطة أن تتحول في هذه الظروف من ضحية إلى بطلة». ويُتوقع أن يباشر الخطيب في تصوير فيلمه الحياة بعد الانتهاء من تصوير «أنا القدس» مباشرة.