من الفساد داخل الطبقة الحاكمة إلى التهريب على الحدود اللبنانية ــــ السورية، يتناول المسلسل مرحلة دقيقة من التاريخ السوري الحديث بمشاركة مجموعة من النجوم على رأسهم خالد تاجا ومكسيم خليل
وسام كنعان
عندما قدّم الكاتب خالد خليفة والمخرجة إيناس حقي مسلسل «زمن الخوف» (2007) سرح مقصّ الرقيب براحة في النصّ، حاذفاً ما لا يناسبه. وخصوصاً أن العمل تناول فترة الثمانينيات وصولاً إلى حرب الخليج الثانية. لكن المسلسل لم يحظ بنسبة مشاهدة عالية بسبب عرضه على قناة «أوربت» المشفرة و«القناة الثانية» في التلفزيون السوري.
اليوم، تعود الدراما السورية إلى الثمانينيات، مع المخرج أحمد إبراهيم أحمد ضمن مسلسل «لعنة الطين». يعتبر العمل الأوّل الذي يتناول تلك الحقبة بعيداً عن «فوبيا» الرقابة، بل... بمباركتها! ولن نفاجأ بذلك، متى عرفنا أنّ المسلسل يفضح رموزاً سابقة في النظام السوري كانت متورطة في عمليات فساد وصارت اليوم من أبرز المعارضين للنظام.
إذاً، يضيء «لعنة الطين» على أبرز مراحل تلك الفترة التي خلّفت نتائج كارثية في الداخل السوري. كما يتطرّق إلى طبقة المسؤولين الفاسدة التي مثّلت جزءاً من الطبقة الحاكمة والمتحكّمة بأحوال الشعب السوري. يقول كاتب السيناريو سامر رضوان: «ما سهّل مهمتي في كشف الحقائق، هو ظهور الذين أسهموا في خراب تلك المرحلة على حقيقتهم، على رأسهم نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام».
يتناول المسلسل قصّة الشاب عامر (مكسيم خليل) الذي نشأ في إحدى القرى الساحلية ويحلم بأن يصبح مهندساً معروفاً. مع انتقاله إلى الجامعة وإقامته في المدينة الجامعية، تتعرض عائلته لخديعة. ويمثّل ظهور شخصية هامة في حياته مفترق طرق بالنسبة إليه. وهذه الشخصية ليست سوى... عبد العليم علّام الذي يقلب حياة الشاب رأساً على عقب. من جهة ثانية، يضيء المسلسل على ازدهار عمليات التهريب غير الشرعي على الحدود السورية ــــ اللبنانية. ويتناول قصة بعض السجناء السياسيين.
«لا نوثّق لمرحلة الثمانينيات بدقّة بل نقدّم دراما تهدف أولاً إلى تأمين المتعة للمشاهد عبر قصص تتناول تداعيات تلك المرحلة من فساد اقتصادي واجتماعي» يقول المخرج أحمد إبراهيم أحمد لـ«الأخبار» مضيفاً: «يمر العمل على الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982)، والعلاقة بين الشعبين السوري واللبناني خلال الحرب اللبنانية. كلّ ذلك يُسرد على لسان مقاوم في أحد الفصائل الفلسطينية عايش الاجتياح الإسرائيلي».
وفي وقت روّجت بعض وسائل الإعلام لتدخلات رقابية وحذف عدد من المشاهد، يوضح أحمد أن العكس هو ما حصل. رفعت الرقابة سقف الحرية في «لعنة الطين» وسمحت بتناول مواضيع لم تعالجها الدراما السورية سابقاً. «كانت لدى الرقيب ملاحظات محقة» يقول أحمد، مؤكداً أنّه ارتأى مع شركة الإنتاج (قبنض للإنتاج الفني) تغييب أسماء بعض الشخصيات اللبنانية، نظراً إلى سير العلاقات السورية اللبنانية بالاتجاه الودي حالياً. وسيتناول المسلسل الحصار الاقتصادي الذي فرض على سوريا بداية الثمانينيات.
ورغم أن النص يُعتبر التجربة الأولى لسامر رضوان في كتابة السيناريو، إلا أن المخرج أحمد إبراهيم أحمد يرى أنه يتعامل مع نص محترف. لكنه يؤكّد أن الكاتب لم يتمكّن من مداراة مسألة الإنتاج نتيجة قلة الخبرة. إذ اقترح وجود مجموعة كبيرة من الشخصيات التي تحتاج إلى وجود ممثلين محترفين. وهو ما جعل المخرج يلجأ إلى عدد كبير من نجوم الدراما السورية يؤدي بعضهم أدواراً صغيرة لكنهم يتقاضون أجوراً تناسب شهرتهم. وأبرز هؤلاء النجوم هم: خالد تاجا وسمر سامي وفارس الحلو وعبد المنعم عمايري ومكسيم خليل ووائل شرف وكاريس بشار وروعة ياسين وربى المأمون وجيني إسبر...

يمرّ المسلسل على الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 والعلاقة بين الشعبين السوري واللبناني
وعن إمكان تسويق العمل جيداً، يرى أحمد أن حملة إعلامية كبيرة سترافق المسلسل نتيجة زخم الفترة التي يتطرق إليها «هو يبني لنفسه سمعة طيبة وقد بدأ الترويج له إعلامياً... وخصوصاً أن فريق العمل لا يوفر أي جهد للخروج بمسلسل متكامل ينال متابعة جماهيرية».
أما مواقع التصوير فتناسب السيناريو المكتوب، وتبدأ من دمشق وصولاً إلى القرى الساحلية السورية فالحدود السورية ـــــ اللبنانية. وقد تدخل الكاميرا للمرة الأولى داخل مواقع عسكرية وتحديداً إلى الكلية الحربية لتصوير بعض المشاهد.
من جهته، يشرح بطل العمل مكسيم خليل لـ«الأخبار» دوره «أجسد شخصية عامر بما يحمله من طيبة الساحل السوري. ولقاؤه بإحدى الشخصيات السورية الهامة سيوصله إلى الجيش ليصبح ضابطاً، ثم تطوقه أحداث كبيرة تجعله يعود إلى حياته الطبيعية». ويضيف: «هناك خصوصية للعمل يستمدها من قدرة صناعه على تقديم حقائق عايشها الشعب السوري. ويبدو أن الرقابة قد تقدمت خطوة ملحوظة هذه السنة ورفعت سقفها، أو أنها باتت تعتبر أنه آن الأوان للحديث عن مرحلة الثمانينيات بحرية».


انطلاقة جديدة

منذ سنتين، انطلقت شركة «قبنض للإنتاج الفني» (لصاحبها محمد قبنض). لكن انطلاقتها لم تكن موفّقة بإدارة الممثل بشار إسماعيل بعدما قدّمت مسلسلين هما «باب المقام» و«صراع المال» لم يحظيا بنسبة مشاهدة عالية. لأنّ التسويق لم يكن جيداً ولم يجدا فرص عرض جيدة. هنا، قررت الشركة أن تجعل من رمضان 2010 انطلاقتها الحقيقة لتنافس باقي شركات الإنتاج السورية، فوقع اختيارها على المخرج أحمد إبراهيم أحمد (الصورة) ومسلسل «لعنة الطين» الذي استقطب عدداً كبيراً من النجوم دفعت لهم الشركة المنتجة أجوراً جيدة ضمن ميزانية إنتاجية الضخمة.