ما إن وقعت جريمة «فورت هود» في تكساس، حتى بثّت المحطّة الأميركية شريط فيديو يُظهر القاتل في زيّ عربي تقليدي
ياسر أبو المكارم
قبل التأكد من صحّة قيام الميجر والمعالج النفسي نضال مالك حسن، الضابط في قاعدة «فورت هود» العسكرية في تكساس، بإطلاق النار عشوائياً، مخلّفاً 12 قتيلاً و30 جريحاً، أو حتى قبل التعرف إلى الأسباب التي دفعته إلى ذلك، كانت «سي إن إن» ترتكب جريمة أخلاقية أخرى تنال من العديد من العرب في الولايات المتحدة ومن صورة العربي خارج أميركا.
المتّهم الذي ارتكب جريمته البشعة ظهر على CNN في زيّ عربي تقليدي خلال شراء قهوة من متجر صغير قريب من القاعدة العسكرية حيث ارتكب جريمته. ولم تجد مراسلة برنامج «أندرسون كوبر 360» الذي بثَّ الفيديو، صعوبةً في تأكيد هوية المتّهم بعدما أكد صاحب المتجر أنّه من زبائنه الدائمين، وذلك رداً على سؤال المذيع أندرسون كوبر عن كيفية التحقق من أنّ صاحب الصورة هو المتهم نفسه. سؤال المذيع أندرسون للمراسلة وردّها عليه، يذكّران بمقدمة فيلم «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين حينما صرخ عربي بعدما سمع من بعيد دق طبول جيوش صلاح الدين التي جاءت لتحرر القدس قائلاً: هو.. هو.
إذاً، هو... العربي الذي قتل 12 من زملائه في القاعدة وجرح 30 آخرين من دون ذنب. لن يستطيع أحد إذاً، أن يقول إنّ CNN فبركت الفيديو أو اصطنعت مصدراً (صاحب المتجر) غير موجود. لكن ما العلاقة بين الجريمة وبثّ صورة للمتهم في زيّه العربي التقليدي قبل ساعات أو حتى لحظات من ارتكابه الجريمة؟ أو دعونا نطرح السؤال بصيغة أخرى: ما الدليل المادي الذي يضيفه ظهور المتهم بزيّ عربي تقليدي قبيل ارتكابه الجريمة؟ هذه هي الأسئلة التي لم ـــــ وبالطبع لن ـــــ يسألها أندرسون كوبر لمراسلة برنامجه.
الإجابة ببساطة أنه عربي. ظهور المتهم قبيل ارتكابه الجريمة في مكان ما قد يكون دافعاً على بثّ الفيديو. هذه حقيقة. لكن من الناحية الأخلاقية الإعلامية، الضرر الناتج من بث صورة للمتهم في زيه العربي أكبر من الفائدة التي ستحققها إذاعة شريط متلفز للمتهم في زيّه العربي، لأنّ الزيّ ليس قرينة على ارتكابه الجريمة. فالمتهم لم يظهر في الفيديو وهو يحمل سلاحاً، ولم يقل صاحب المتجر أنه هدده قولاً أو فعلاً. إذاً ما الداعي لبثّ الفيديو؟ الإجابة غير المعلنة أنّه عربي.

تُظهر المحطّة أنّ الزيّ قرينة على ارتكابه الجريمة
الغريب، أو قل العجيب، أنّ «سي إن إن» أكّدت أن المتهم وُلد وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ولم يُرسَل خارجها. الضابط الطبيب المتهم وُلد وعاش وتعلم وعمل هناك، فلماذا تجاهلت CNN بثّ صور تتعلق بهويته الأميركية وفضلت إذاعة فيديو يشير إلى أصوله العربية؟
عبثاً، يمكن أن تحاول أن تجد تفسيراً من الإعلام الأميركي عن الهدف من تكرار تأكيد صورة الإرهابي الذي لا يمكن أي عربي أن يغيّر ملامحها سوى التفسير العنصري. الجديد في بثّ صورة نضال مالك حسن هو إقناع الأميركيين بأن العربي ـــــ وإن كان مولده ونشأته وحياته كلها في الولايات المتحدة ـــــ فإنه يخفي داخله شخصية الإرهابي، أو على الأقل المجرم. يقولون دائماً في المثل المعروف إنّ «الزّن على الأذن أكثر مرارةً من السحر». لكن في صناعة الإعلام، هناك حقيقة أنّ «الزّن على العين أكثر مرارة من السحر». تلك هي كلمة السر في وسائل الإعلام الأميركية لتصوير صورة العربي الإرهابي. الزّن على عيون الأميركيين كلما أُتيحت لهم الفرصة، وإن كان العرب أبرياء من الجريمة.