لو كنت صحافياً في «النهار» لفضّلت «الشماتة» على هذا «التعاطف»
الهزّة المؤسفة التي شهدتها «النهار» أخيراً («الأخبار»، 28 ثم 29 أيلول/ سبتمبر)، أثارت مشاعره فبدأ من إدانة «لغة الشماتة» و«السخرية» التي استقبل بها «بعض الصحف اللبنانيّة» قرار صرف خمسين من موظفي الجريدة. لا مفرّ هنا من التساؤل عن سرّ إطلاق تلك السهام الطائشة، فنحن لم نقع على أثر للشماتة في أي مطبوعة لبنانيّة رصينة. «الأخبار» التي كانت السبّاقة إلى تسليط الضوء على القضيّة، تعاملت مع الحدث بالجديّة التي تفرضها خطورة الموقف، وأبدت تضامنها المهني مع الزملاء المعنيّين، وذكّرت بأهميّة المؤسسة العريقة الرائدة التي يمثّل بقاؤها سنداً للعبة الديموقراطيّة. هل كان المطلوب التعتيم على الموضوع، أو كيل المدائح الجوفاء للجريدة المأزومة كما يفعل الشريان؟يسترسل الكاتب المذكور في مديح لبنان، فيصفعنا خطابه التبجيلي، وإسرافه في استعمال كلمة حريّة إلى درجة استنفاد رحيقها. يبدو البلد في نظره أشبه بالمنتجع اللطيف (الرحابنة وطيران الشرق الأوسط وبعلبك والقطاع المصرفي وأسطورة الإعلام اللبناني... نسي برنامج «ما إلك إلا هيفا» الذي صنع ذات مرّة مجد lbc في الخليج). وهذا البلد المسكين تآمر عليه أشرار لا يسميهم طبعاً. ثم يفاجئنا بالضربة القاضية: «ضعف «النهار» نتيجة حتميّة لضعف موقع المسيحيين في هذا البلد»، يكتب. لو كنت رئيس مجلس إدارة «النهار» أو أي من صحافييها أو قرّائها، لفضّلت أبشع أنواع «الشماتة» على هذا «التعاطف». اللبنانيّون يطلبون من أصدقائهم قليلاً من الصدق في تشخيص مشكلاتهم، وتضميد جراحهم، ومن الغيارى على إعلامهم الحرّ شيئاً من الجرأة التي عوّدنا إياها الشريان، في وضع الإصبع على الجرح. وهو أدرى من سواه بتلك الآلة الشيطانيّة التي استباحت المنابر، وحوّلت عدداً لا بأس به من الكتّاب إلى كتبة، والصحافيين إلى مرتزقة، والمثقفين إلى حجّاب على أبواب المرابع الليليّة في الـ«داون تاون».