حسين بن حمزةقصيدة مرام المصري متلبَّسة برجل. إنه موجود فيها بالجرم الشعري المشهود. بالقليل من الحياة والكثير من الكتابة، يتحول الرجل إلى آخر شعري. الحواسّ المبذولة في جلبه إلى القصيدة تجعله عائماً في إيروسية طاغية. لكن ذلك لا يؤذي شعرية القصيدة نفسها. الآخر ذريعة شعرية وحياتية هنا. البراعة التي تُنجِز بها الشاعرة السورية المقيمة في باريس قصائدها تخفّف من ثنائية امرأة ـــــ رجل لمصلحة الحالة الشعرية المكتوبة بشغف حار. ثمة هيامٌ بالاقتضاب والمحو في هذا الشعر، رغم انتمائه إلى اليوميات الحياتية، حيث يسهل حضور السرد العادي والاسترسال المفرط في نثريته. شعر مرام المصري يومي ومكثف في آنٍ. التأمل الداخلي يجعل اليومي والعابر ماكثاً وواعداً بمعانٍ اصطيدت بأناة النحَّاتين ودقتهم. بدأت مرام المصري بديوان «أنذرتك بحمامة بيضاء» (1984) بالاشتراك مع شقيقها منذر والراحل محمد سيده، وحمل القسم الخاص بها عنواناً لافتاً: «واحدة من سكان الأرض».
بهجة وحيويّة ونهم ورغبة وإيروسية وإقبال متهور على الحياة
الغفليّة والمواربة اللتان فاحتا من ذلك العنوان أرشدتا القارئ إلى تجربة خافتة تتحسس طريقها بالإصغاء إلى الذات والحياة القريبة التي تحيط بهذه الذات. هجرت مرام الشعر عقداً ونصف عقد، ثم عادت بـ«كرزة حمراء على بلاط أبيض» (1997)، ثم «أنظر إليك» (2000) و«العودة» (2008)، الديوان الذي كُتب بقناع جدتها الأندلسية ولّادة بنت المستكفي ونُشر بالعربية والإسبانية. عرَّضها الشعر لجوائز مستحقَّة وترجمات عديدة. خفوض النبرة كُوفئ بحفاوةٍ عالية.
لا نعثر في شعرها على شيء مؤلفٍ بالكامل. لا بدّ من مرجعية حياتية حتى لو كانت غائمة أو متلاشية. المذاق الحياتي يصير نوعاً من مهارة شخصية لإنجاز قصيدة مدينة لأحاسيس فطرية وتلقائية، لا لألاعيب أسلوبية فقط.
البهجة والحيوية والنهم والرغبة والإيروسية والإقبال المتهور على الحياة، وهي صفات لصيقة بلغة مرام المصري، لا ينبغي لها أن تَحُول بيننا وبين الألم الأصيل المدفون تحت هذه اللغة الفائرة والمرتطمة بالحياة بقوة. علينا أن نرفع السطور لتتراءى لنا الندوب الكثيرة التي أُخفيت في الأعماق كي تلوح البهجة وحدها على السطح. أليس الشعر تمريناً شاقاً على إبدال مرارة الألم بسكَّر الاستعارات والصور؟
■ ■ ■
تحلّ الشاعرة ضيفة على برنامج الزميل ياسين عدنان «مشارف» على «المغربيّة الأولى» ـــــ 02:00 فجراً بتوقيت بيروت (23:00 بتوقيت غرينتش)