لم تحمل حلقة «مسا الحرية» أيّ جديد. الإعلامي الذي كان الأكثر جرأةً في طرح المواضيع المحرّمة، خسر أولى معاركه في استعادة موقعه القديم على ساحة البرامج الاجتماعية
ليال حداد
مَن شاهد حلقة «مسا الحرية»، التي تناولت الزواج المدني أول من أمس، خال أنّه في أواسط تسعينيات القرن الماضي. يومها كان زياد نجيم سيّد البرامج الاجتماعية، والأكثر جرأةً على طرح المواضيع المحرّمة، بينها الزواج المدني. وكان المجتمع يرى في برنامج «الشاطر يحكي» وسيلةً للتنفيس عن الكبت السياسي والاجتماعي بعيداً من سطوة رجال الدين. اليوم اختلف الوضع، وما كان «تابو» في السنوات السابقة، تداولته وسائل الإعلام حتى الاستهلاك المنفّر. وإذا كان المجتمع ما زال في العمق متمسكاً بعقليّته التقليدية، فإنّه بات أكثر تقبّلاً لبعض الأفكار المتعلّقة بالدولة المدنية.
انطلاقاً من كل هذه المعطيات، كان متوقّعاً لحلقة «مسا الحرية» على Mtv أن تقارب موضوع الزواج المدني من زاوية جديدة، أقلّه مختلفة عن تلك التي عولج بها منذ طُرح في الإعلام للمرة الأولى، أي عام 1910 في جريدة «البرق»!
الواقع كان عكس ذلك. بقي النقاش عقيماً، من دون أن يتمكّن الضيوف (ممثلو أحزاب مختلفة وقاضي شرع صيدا الشيخ محمد أبو زيد، والأب كميل مبارك، والأستاذ الجامعي روجيه نبعة) من إيجاد أرضية مشتركة للنقاش. هكذا، أعلن مبارك رفض الكنيسة للزواج المدني، لأن الارتباط بين شخصَين هو سرّ من أسرار الكنيسة، «لكننا نفضّل طبعاً الزواج المدني على المساكنة» قال الكاهن الماروني من دون تردّد! أما أبو زيد، فأصرّ طيلة الحلقة على أنّ الزواج الإسلامي هو كالزواج المدني، من دون أن يلفت نجيم نظره إلى أنّ العقدين متشابهان في الشكل لكنّهما في المضمون يختلفان كلياً، وخصوصاً لجهة الإرث، والطلاق وحضانة الأولاد...

سجّل نجيم بعض النقاط لكنّ النقاش بقي عقيماً
من جهتهم، بدا ممثلو الأحزاب متّفقين على أهمية إقرار قانون أحوال شخصية مدني، يتيح الزواج المدني في لبنان، وإن كان ممثّلا الحزب «السوري القومي الاجتماعي» إيلي غصّان، والحزب «الشيوعي» مازن حطيط، الأكثر دفاعاً عن الموضوع، والأكثر مواجهةً لمبارك وأبو زيد. ولم يتردّد غصّان من أن يواجه الشيخ بسؤال عن سبب قبول الطوائف الإسلامية قانون العقوبات وقانون النقد والتسليف اللذين يتعارضان مع الشريعة الإسلامية ورفضهما لقانون الزواج المدني. وفي ظلّ هذا الإجماع بين الحزبيّين على أهمية الموضوع، فات نجيم أن يسأل هؤلاء عن سبب تغاضيهم عن طرح هذا الموضوع على نوابهم بغية إصدار مشروع قانون يمثّل الخطوة الأولى في سبيل إقرار الزواج المدني.
غير أن الإعلامي اللبناني استطاع تسجيل نقطة مهمّة لمصلحته، حين سأل ممثل «تيار المستقبل» نزيه خيّاط عن السبب الذي منع رفيق الحريري من إحالة اقتراح قانون الرئيس إلياس الهرواي عام 1998 عن الزواج المدني على مجلس النواب. بدا الارتباك واضحاً على خياط، الذي أصرّ على الدفاع عن الحريري، بحجّة أنّ إقرار القانون كان سيسبّب حرباً أهلية! لكن الجواب لم يعجب نجيم، فأردف بتلقائية «ألم يكن رفض مفتي الجمهورية له هو ما أدّى إلى تراجع الحريري؟». تمتم خياط مجدداً بعض الكلمات عن السلم الأهلي من دون أن يفهم المشاهد حقيقة ما جرى وقتها.
انتهت الحلقة، وانتهى النقاش بين الضيوف من دون التوصّل إلى نتيجة، سوى أن محاولة زياد نجيم للعودة إلى المواضيع الاجتماعية بعيداً عن السياسية، لم تكن بالبريق الذي انتظره كثيرون.