مولانا شاعر الحبّ الإلهي نزل إلى الـ Underground

اسمه محسن نامجو، ويعدّ من أبرز ممثّلي جيل التمرّد في الموسيقى الإيرانيّة. ردم الهوّة بين الجيل الجديد والتراث الكلاسيكي، سالكاً دروب الروك والبلوز. صالحَ أشعار حافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي مع الحركة الطليعيّة التي تعيش على هامش الثقافة الرسميّة. حُكم عليه بالسجن بعد صدور أسطوانته الثالثة

أحمد الزعتري
في المشهد الموسيقيّ الإيرانيّ، هناك فجوة بين الموسيقيين الكلاسيكيين والجيل الجديد. يعرف الجمهور العربي على الأرجح أسماءً مهمّة مثل محمد رضا شجريان، وحسين علي زاده، وشهرام ناظري... لكن ماذا عن الحراك الموسيقيّ الجديد هناك؟ والسؤال الأهم، لماذا لا تصلنا نتاجات هذا الجيل؟ ربّما أسهمت سياسة الإقصاء التي تطول كل ما هو آتٍ من الغرب، في ظهور جيل أقل ما يمكن أن يقال عنه إنّه متمرّد. تبلورَ ذلك في موسيقى الـ Underground وحفلات الـHeavy Metal الخاصة التي تُمنع عادةً بحجّة «الاختلاط بين الجنسين، وارتداء ملابس غربيّة». ولعلّ أبرزممثلي هذا الجيل، الموسيقيّ الإيرانيّ محسن نامجو (1976) الذي أصدر أسطوانته Oy (آخ) بداية الشهر الجاري، متضمنةً مقطوعة «شمس» المثيرة للجدل التي يغنّي فيها مقاطع من سورة «الشمس»، ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، بعدما انخرط في حركة الاحتجاج الأخيرة التي شهدتها شوارع طهران. تجربة نامجو لا تقتصر على تجاوز المحظور الديني، بل تتعدّى ذلك إلى انتهاك الخطوط السياسيّة والاجتماعيّة والجنسيّة. بدأت قصة نامجو مع الموسيقى في عمر مبكّر. في الـ 12 من عمره، تلقّى دروساً في الموسيقى الكلاسيكيّة الإيرانيّة على يد المعلّم نصر الله ناصح بور. قبل أن يحصل على منحة لدراسة المسرح والموسيقى في جامعة طهران. بدأ الفنّان الشاب يلمس مدى إقصاء جيله من المشهد الموسيقي، فما كان منه سوى أن وضع لنفسه هدفاً طموحاً: «إنقاذ الموسيقى الفارسيّة، فهي لا تنتمي إلى الزمن الحاضر، ولا يمكنها إرضاء الأجيال الجديدة»، بحسب ما شرح بعد سنوات عدّة في إحدى المقابلات.
بعد اطّلاعه على الأنواع الموسيقيّة الغربيّة، وتحديداً البلوز والروك، أصدر نامجو أُسطوانة Toranj (شجر البرغموت ـــــ 2007)، خالقاً مزاجاً موسيقيّاً خاصاً، ومستعيداً قصائد شعراء إيران العظام: حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي، بابا طاهر، فريد الدين عطّار. هكذا، أقصى نامجو الإرث الموسيقيّ الإيرانيّ الكلاسيكيّ وبكائياته، ناسفاً الهوّة بين الجيل الجديد والإرث الشعريّ عبر الروك والبلوز والأداء العصريّ بكلّ غضبه ويأسه وتهكّمه.
في أسطوانته الثانية Jabr-e Joghrafiyaei (مقياس جغرافيّ ـــــ 2008)، تابع نامجو العمل على «إنقاذ الموسيقى الفارسيّة»، ليجذب الشباب من خلال نزع الهالة المقدّسة التي تحيط بأجواء الموسيقى الكلاسيكيّة التي روّج لها النظام باعتبارها موسيقى «وقورة» تتماشى مع الأجواء المحافظة. وخلال ذلك، حاول الفنّان المشاكس تخطي الخطوط الحمر، فسجّل مقاطع من سورة «الشمس» مع الموسيقى، من دون أن ينوي نشرها، مدفوعاً بالهم ذاته الذي اشتغل به على الموسيقى والنصوص الكلاسيكيّة. لكنّ المقطوعة انتشرت على الإنترنت، ووصلت إلى عباس سالم الباحث في علوم القرآن، ليتقدّم هذا الأخير بشكوى ضدّ نامجو الذي كان يومها في النمسا. فما كان من الموسيقيّ سوى إرسال اعتذار إلى الأئمة والشعب الإيرانيّ، ليتمّ نسيان القضيّة. لكن بعد اندلاع حركة احتجاج شعبيّة على أثر فوز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية في إيران، تحرّكت قضيّة الأغنية من جديد، بعد نزول نامجو إلى

في أسطوانته الجديدة Oy، يتعمّد محسن نامجو انتهاك المحظورات على أنواعها

الشارع، إلى جانب عدد من السينمائيين والموسيقيين والمثقفين... وإطلاقه نسخة فارسيّة عن أغنية Hasta Siempre مستبدلاً تشي غيفارا بمير حسين موسوي! وسط هذه الفوضى، أدين نامجو بالسجن 5 سنوات بتهمة «إهانة القيم الدينيّة وكتاب المسلمين المقدّس». لكنّ رد فعل الفنّان لم يتأخّر: «لقد اعتذرتُ في الماضي عن تلك الأغنية. أما الآن، فسأسجّلها مع أوركسترا كاملة كي يسمعها كل الناس وأوّلهم عباس سالم».
في الأسطوانتين السابقتين، تحدّى نامجو المجتمع المحافظ، ونجح في الوصول إلى الشباب. أحدهم كتب في مدوّنته: «نامجو يخدع. تبدو موسيقاه كلاسيكيّة بما فيه الكفاية لتخدع والدك. لكن بعد دقائق تكتشف أنها ليست كلاسيكيّة نهائيّاً، هذا شيء جديد كليّاً، شيء جديد ومؤلم». شيء مثل أغنيته «الثمانينيّات»: «في أحد الأيام رحل الشاه، أصبحت الجمهوريّة ذات طريق واحد. في أحد الأيّام، كان طريقنا إلى الحرية هو الثورة. في أحد الأيّام الذي كان ضوء القمر سراباً، في أحد الأيّام التي شربتُ فيها مشروباً، كان عمري ثمانية أعوام، والمشروب التي أتت به أمي كان لونه أخضر، كان Seven up». في أسطوانته الجديدة Oy، يتعمّد نامجو انتهاك التابوهات بجميع أنواعها: أغنية «بينظير» (ليس لها نظير)، عبارة عن نص محكيّ يصف فيه علاقة جسديّة. أغنية «الفقيه الوقور» انتقاد مباشر للخمينيّ. وأغنية «شمس» التي تمثّل ردّ فعل قاسياً وتهكميّاًّ، يرتّل فيها بلغة عربيّة واضحة آيات من السورة، مع مقطع من أغنية ماجدة الرومي «كلمات». عربيّاً، نذكرُ القضية التي أثيرت ضد مرسيل خليفة بسبب غنائه قصيدة محمود درويش «أنا يوسف يا أبي»، التي تضمّنت آية من «سورة يوسف». لكن الأمر مختلف مع نامجو. المرجع الثقافي الإيرانيّ حافل بالتجارب الخلاقة، لعلّ أبرزها حافظ الشيرازي الذي قال: «وإذا انتهى بك العشق ـــــ كحافظٍ ـــــ إلى الشكوى من نفسك، فرتِّل القرآنَ في أربع عشرة رواية».