محمد خيرقبل 90 عاماً، قال لينين: «لا تفسدوا سلاح الإضراب»، فهل يفسد البعض سلاح المقاطعة؟
انتهت الأيام التي نذرها ملايين المستخدمين لمقاطعة «فايسبوك». من 24 حتى 26 الشهر الحالي، قاطعت عشرات المجموعات الموقع الشهير. والهدف «إجبار» إدارة «فايسبوك» على إغلاق المجموعات المسيئة للإسلام. والنتيجة؟ لا أحد يعرف. اللهم إلا ما يشبه المعلومة التي ذكرها أحد ناشطي Facebook في تقرير أعدته «الجزيرة». الناشط نفسه كان معارضاً للإضراب بحجّة أنه «يزيد من شهرة المجموعات المسيئة». وقال إنّ إحدى المجموعات المنظِّمة للمقاطعة أكدت إغلاق إدارة «فايسبوك» الموقع المسيء للإسلام. الطريف أنه بالعودة إلى المجموعة المقصودة، يتضح أنّها استخدمت تقرير «الجزيرة» نفسه دليلاً على نجاح الإضراب! نحن أمام مصدرين كلاهما دليل الآخر، فماذا عن الواقع «الافتراضي» طبعاً؟ يصعب التأكّد لسببين: الأول أنّ إدارة «فايسبوك» لم تصدر أي بيان، والثاني أن مفهوم «مسيء للإسلام» بدأ عند مجموعة أنشأتها مراهقة ألمانية ملأى بالبذاءات ضد الإسلام وانتهى إلى مجموعة أنشأها مصريون يقترحون منع استخدام مكبِّرات الصوت في المساجد، ثم سرعان ما وجدوا أنفسهم هدفاً لمجموعات المقاطعة نفسها لما في اقتراحهم من إساءة!

مقاطعة «فايسبوك» لإجباره على إغلاق المجموعات المسيئة للإسلام

بين مئات الاقتراحات «بالصمود والتصدي» وصولاً إلى «الاستقالة» من «فايسبوك» والتفاؤل بإنشاء «موقع بديل»، إذا بالبعض يستغل شعبيّة المقاطعة ليضع دعايات على غرار «فرص وظيفية عاجلة وبمرتبات مجزية» والطريف أنّ ذلك الغرض التجاري نفسه كان إحدى حجج المقاطعة، على غرار «حرمان الموقع من ملايين كبسات الأزرار التي تتحول إلى أموال دعايات»، بل إن آخرين وجدوا في المقاطعة انتقاماً من «مايكروسوفت الصهيونية»!
الواقع أن فوضى الأسباب والحجج التي لا علاقة لها بالواقع، ليست غريبة عن الأنشطة الجماعية العربية. لكن السؤال الضروري هو سرّ انتقال هوس المنع والحجب من الحكومات العربية إلى المستخدمين «المواطنين» العرب. ذلك الموقع الذي أتاح أكبر قدر من «الحرية» للشباب العربي، أصبح مستهدفاً في حريته بالتحديد، من أكثر الناس تعطشاً وافتقاراً لتلك الحرية. ولم يقلل من حماسة مطالبات المنع أن تلك المجموعات المسيئة قليلة العدد، بل ربما زاد ذلك من رغبة القضاء عليها. إنها عقلية الاضطهاد نفسها للأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي، أو التمييز ضدها. إذ تتعامل تلك العقلية مع القوميات الصغيرة أو الأفكار المضادة على أنها قلة مندسة يجب سحقها. لا يفكر المطالب بالمنع في أنه يتمتع على «فايسبوك» بحرية لا يوفّرها «موقع بديل» أو أن استجابة الموقع له بغلق مجموعة مسيئة هي تهديد لحريته هو نفسه. والخلاصة أن آلاف الشباب العربي أسهموا في تكريس صورة العربي الذي تزعجه حرية التعبير، أو يشترط أن تتوافق هذه الحرية مع أفكاره، والأكيد أنّ السجين يصاب بالعدوى من جلاده!