الأوروبيّ يسير على خطى المستشرقين، والخليجيّ مشدود إلى عادل إمام و«الليالي الملاح». وبينهما تبحث الكاتبة الأميركيّة ليسا ون عن سحر مصر في كتابها الذي عرّبته «دار قدمس»
خليل صويلح
«إذا كنت سائحاً في مصر، فإما أن تذهب إلى الأهرام أو إلى ملاهي شارع الهرم»... بهذه العبارة تختزل ليسا وِن السياحة في مصر. يمارس السائح الأجنبي «سياحة النهار». أما السائح العربي ـــــ وهو هنا سائح خليجي ـــــ فينخرط في «سياحة الليل». يستيقظ الأول باكراً، ضمن برنامج محدّد سلفاً، لمشاهدة الآثار القديمة. أمّا الثاني، فيبدأ يومه ليلاً، متنقّلاً بين الملاهي، لاكتشاف خريطة «السياحة الجنسية». مؤلّفة كتاب «سياحة الليل، سياحة النهار... الخليجيون والأوربيون في مصر» («قدمس» ـــــ دمشق، تعريب صخر الحاج حسين) كاتبة أميركيّة عاشت ردحاً من حياتها في جدَّة، وها هي تقتفي آثار السياح السعوديين في القاهرة في أطروحة أكاديمية. تسعى وِن إلى توضيح الصورة ميدانياً، وتفكيك النظرة التقليدية إلى أنواع السياحة في مصر. الأوروبي ـــــ وفقاً لتصورها ـــــ يبحث عن مصر الفرعونية في الدرجة الأولى، غير عابئ بما يحدث في شوارع اليوم. يجد في لغز الأهرام مناخاً سحرياً يغذّي نهمه إلى الحضارات القديمة، كما وصفها الرحّالة والمستشرقون، إضافةً إلى الافتتان بإنتاج تخيّلات الثقافة الكولونيالية. أمّا السائح العربي، فيكتفي إذا ذهب إلى الأهرام بالتقاط صورٍ تذكارية، أو بعيش لحظات رومانسية مقتبسة من الأفلام المصرية.
وتوضح ليسا ون أنّ السائح السعودي يأتي غالباً إلى القاهرة بهدف لقاء سعوديات يتعذر عليه مقابلتهن في بلاده. السائح الخليجي يرغب في محاكاة ما يراه على الشاشة المصرية وتحويله إلى وقائع ميدانية: أن يحضر حفلة غنائية لعمرو دياب، أو مسرحية لعادل إمام، أو وصلة رقص شرقي لفيفي عبده. تبدو المسافة جليّة بين من يفتتن بالمومياوات، ومن ينخرط بصور وخيالات عصرية للثقافة المصرية. كأن السياحة تصنع قوماً زائفين، جنباً إلى جنب مع «ثقافة فولكلورية زائفة»، تقوم على الفرجة و«تسليع اللباقة».
لعلَّ الطفرة النفطية السعودية أسهمت في تفعيل السياحة المصرية، ما جعل بعض المصريين يتَّهمون زوارهم باستغلال الثروة لنشر الفساد الأخلاقي، من موقع الدفاع عن الهوية أولاً. تنهمك ليسا ون في توصيف أنثروبولوجي لمعنى السياحة بوصفها صوراً وخيالاتٍ وتاريخاً، ورسماً قلقاً لشبكات عابرة للأمم ولقاءات بين شعوب وقوميات وأيديولوجيات. تروي ليسا ون يومياتها في مصر، سواء في مكتب حارس الآثار المصرية زاهي حواس (الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية)، أو في شوارع القاهرة. هكذا، ترافق صديقة سعودية إلى فنادق وحانات لتراقب عن كثب كيف يتحرّر الجسد من أثقاله، كتعويض عمّا فاته في موطنه الأصلي. دحض الشائعات عن مغزى السياحة الخليجية، أحد مقاصد هذه الأطروحة، لكنَّ المهمة تبدو صعبة برسوخ وجهة النظر المصرية في وصف الخليجيين: «جنس جماعي، سحاق، اصطياد فتيات»، ما أدى إلى «تدمير الثقافة المصرية، وأنتج صورة إقليمية سوقية، وغير أخلاقية للهوية المصرية». لعل هذا ما يبرّر المناوشات التي تديرها الصحف

وقائع مضادة تنفي الفروق الثقافية واللغوية
المصرية عن فضائح جنسية أبطالها أمراء خليجيون، والإضاءة في المقابل على ما تتعرّض له اليد العاملة المصرية في الخليج. وإذا بالخليجي مجرد «آخر» لا يرتقي إلى مستوى الحضارة المصرية. الخليجي من جهته يتَّهم المصريين بالنفاق والتملّق من أجل استغلال أمواله بعبارات من نوع «باشا، وبيه، وأفندم». هذه الفروق الثقافية يؤكّدها المصريون استناداً إلى هوية فرعونية تفترق عمَّا عداها من هويات عربية أو إسلامية.
يحتشد هذا الكتاب بوقائع عن «مواعيد غرامية عابرة للحدود»، تنسفها وقائع مضادة تنفي الفروق الثقافية واللغوية. هنا، تظهر سطوة المسلسلات والأفلام المصرية التي صدّرت اللهجة المصرية، وأسست لمنظومة قيم ثقافية شعبية عبر الشاشة وحدها. هذا ما يجعل السائح الخليجي «يقتات بنظام غذائي مرئي من أفلام مصرية خليعة نسبياً، فيحاول تطبيقها عملياً في الشارع». أحجية الأهرام بالنسبة إلى الأوروبي، تبدو «إعادة كتابة الدولة المصرية لتاريخ فرعوني تشبه استنساخ مخطوط قديم عن حكاية سرمدية، مقابل مشهد كولونيالي أوروبي واستخدامه لعلم المصريات بغية خدمة سردياته للتاريخ الحضاري». لكن ماذا بخصوص الرقص الشرقي؟ تقول ليسا ون: «عدا الراقصات المصريات، هناك غزو الراقصات الروسيات... في محاولة لصناعة هوليوود أخرى للرقص الشرقي».