محمد خيركيف يمكن مشهداً لا يتجاوز 3 دقائق أن يحقّق كل هذا الملل؟ تلك هي عبقرية الدراما العربية! كان يمكن التزاحم التلفزيوني في شهر رمضان أن يتفادى نبوءة بيل غيتس باندثار التلفزيون التقليدي خلال سنوات. رغم تطور تقنيات العرض، بقي التلفزيون العربي وحشاً تقليدياً يزأر في رمضان، وتحتشد له جيوب المنتجين. مع ذلك، يبدو أن تلفزيوننا الرمضاني نفسه سيحقق توقع عملاق الحاسوب الأميركي، لكن من زاوية أخرى. إذ يبدو قوس مستوى التلفزيون العربي في رمضان شديد الانحناء، إلى الأسفل قطعاً. ويبدو أن القناة التي تجدر متابعتها في 2009، هي أي محطة تعيد بث مسلسل «أسمهان» الذي عُرض العام الماضي.
يجوز لكل من تابع الصراع الهستيري بين الدراما المصرية والسورية وحديث الريادة والمستقبل، أن يتساءل عن الطحن الذي خلّفه كل هذا الضجيج، ويبحث بين ركام المشاهد المتهاوية على الشاشات عن مسلسل أو حتى مشهد يبرر كل هذه الأزمة. سافر نجوم سوريا إلى مصر، وتراجع نقيب الممثلين المصريين، نسبياً، عن قرار تقييد عمل الفنانين العرب في القاهرة، ولم تتحقق حتى الآن التهديدات باقتصار التمويل الخليجي على الدراما الخليجية. شهدت الدراما

مجاميع كومبارس تحيط بالنجم وأخطاء بدائية في التصوير والمونتاج

العربية تعاوناً بين فنييها لا يتقيد بالجنسية. انهالت الإعلانات على العدد المتزايد من الفضائيات العربية، فوفرت الأجور الهائلة للـ«سوبر ستارز». مع ذلك، تقلصت الأعمال التي تستحق المشاهدة، بعدما كانت لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كل عام، إذا بها في رمضان الحالي تكاد تقارب الصفر. علماً بأن المقصود هنا ليس الأعمال التي تنافس الدراما الأجنبية، حتى التركية، بل تلك التي تتجنب الأخطاء البدائية في التصوير والمونتاج، وتقدم ممثلين حقيقيين وليس مجاميع كومبارس تحيط بنجم العمل، وتتطور أحداثها وفق سيناريو ملمّ بأصول الدراما، وليس أحداثاً يسقط بعضها فجأة في النسيان أو تقفز إلى غير ما كانت ذاهبة إليه بالمنطق البسيط، وحكايات لا تفقد شخوصها فجأة من دون أن نعرف ماذا حلّ بها. لكن ربما كان العيب الأخير مبرراً في التلفزيون. إذا كانت بعض الأفلام العربية، التي لا تتجاوز مدتها ساعتين، تعاني العيوب نفسها، فماذا عن أعمال تلفزيونية يشترط المنتجون ألا تقل عن 34 حلقة، كي تغطي شهر رمضان وأيام العيد، ويوماً إضافياً مراعاة لفروق رؤية الهلال بين الدول العربية! فيكافح الكتّاب لمطّ أفكار لا تتجاوز سهرة تلفزيونية من ساعتين، كي تصبح 30 ساعة. هكذا تُتجاوز أبسط أصول الدراما، كي يصبح الزمن الدرامي أحياناً مساوياً للزمن الحقيقي، فتستغرق حفلة العرس، مثلاً، على الشاشة ما يقارب زمنها الواقعي في الحياة... وبدلاً من أن تتجاوز الدراما ملل الحياة الواقعية، متلافية التفاصيل المكررة غير الضرورية، إذا بها تزيد من وقت هذه التفاصيل، لتخلق حالة ثالثة لا هي بالدراما ولا هي بالحياة: إنّها مجرد حركة متصلة من دون معنى انتظاراً للفاصل الإعلاني!