غاز مصر وشهداؤها من أجل منصب رفيع؟القاهرة ــــ محمد شعير
هل تشارك إسرائيل في الدورة المقبلة من «معرض القاهرة الدولي للكتاب»؟ السؤال بات أكثر من «مشروع»، في ظل إحساس عام بأن طريق وزير الثقافة المصري إلى منصب الأمين العام لـ«منظمة الأونيسكو»، مفروشة بالتنازلات، ليس أقلّها المقال الذي كتبه فاروق حسني نفسه الأسبوع الماضي في جريدة «لوموند» الفرنسية، معتذراً عن تصريحاته «ضد حرق الكتب الإسرائيلية إذا وجدها في مكتبة الإسكندرية»... وإعلان وزارة الثقافة المصرية فجأةً نيّتها نقل أعمال بعض الكتّاب الإسرائيليين إلى لغة الضاد.
مثقفو مصر بطبيعة الحال ضدّ حرق الكتب مهما كانت، ومعظمهم يرون أن من حقّ الوزير أن يعتذر عن هفوة من هذا النوع. لكن لماذا لم يقدّم اعتذاراً مماثلاً عن «حرق» ديوان أبو نواس منذ سنوات، عندما هاجت التيارات الدينية ضد رواية «وليمة لأعشاب البحر» للسوري حيدر حيدر؟ ولماذا لم يقدّم اعتذاراً مماثلاً عندما قضى 60 مبدعاً مسرحياً في حريق «قصر ثقافة بني سويف» بسبب إهمال وزارة الثقافةوهناك شعور عام في القاهرة اليوم، بأن سلسلة التنازلات لن تنتهي. الأسبوع الماضي، أعلن مسؤولو «مهرجان دول البحر الأحمر» في السويس تعرّضهم لضغوط من وزارة الثقافة، للموافقة على مشاركة إسرائيل في فعاليات المهرجان بعد قرار اللجنة المنظمة باستبعادها. وأوضح هؤلاء أنّ تحركات حسني جاءت على خلفية الاحتجاج الرسمي الذي تقدّم به الملحق الثقافي الإسرائيلي لوزير الثقافة على استبعاد إسرائيل، وطالبه بضرورة اشتراك فناني إسرائيل في المهرجان أسوة بـ«زملائهم» الفلسطينيين. إدارة المهرجان والقوى الشعبية والسياسية في المحافظة، أدانت تصرفات وزير الثقافة. حتى إنّ مناضلاً كبيراً مثل الكابتن غزالي، مؤسس فرقة «أولاد الأرض» وأهم رموز المقاومة الشعبية في السويس، خرج عن صمته أخيراً، مشيراً إلى أنّ فاروق حسني يحاول تدمير محافظة السويس ويعمد إلى تشويه تاريخها وصمودها، بإصراره على مشاركة «الكيان الصهيوني فى مهرجان فنون البحر الأحمر المقررة إقامته على أرض السويس». وأضاف: «هل نفرّط بكرامة مصر ودماء الشهداء، من أجل منصب رفيع في منظّمة دوليّة؟».
وفي هذا المناخ لم يعد مستغرباً، يفكّر بعضهم، أن تضغط إسرائيل على الوزير للمشاركة في معرض الكتاب في دورته المقبلة، تلك المشاركة التي تصدى لها المثقفون المصريون طوال السنوات الماضية بقوة وحسم... صحيح أنّ المعرض سيقام في كانون الثاني (يناير) المقبل، أي بعد حسم معركة «الأونيسكو» في تشرين الأول (أكتوبر). لكن ماذا لو تقدّم المستشار الثقافي الإسرائيلي في القاهرة، منذ الآن، بطلب المشاركة في المعرض؟ فباب تقديم الطلبات يفتح، كما هو معروف، قبل الافتتاح بأشهر. ويرى كثيرون أنّه يصعب التنبّؤ اليوم بطبيعة «الصفقة التبادلية» التي تمّت في شرم الشيخ بين الرئيس حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن ترشيح فاروق حسني للأونيسكو. لا شك في أن إسرائيل توقفت عن معارضة ترشيح الوزير ـــ الفنان مقابل «منافع كثيرة» ستحصل عليها: «ما كان لإسرائيل أن تتخذ هذه الخطوة إلا إذا اطمأنت إلى أنّ ذلك يحقق مصالحها في نهاية المطاف» وفق ما جاء في صحيفة «هآرتس». ولم يوضح الجانب المصري طبيعة هذه المنافع ولا حدودها: هل هي اقتصادية أم سياسية أم تنازلات أخرى مثل تصدير الغاز؟
لكن التنازلات المصرية لا تكفي على ما يبدو. فالعقبة الإسرائيلية، أو الحملات الأوروربية من ألمانيا وفرنسا تحديداً، وموقف العديد من المثقفين المصريين من الوزير، ليست وحدها ما يعوق وصول حسني إلى الأونيسكو. أميركا أيضاً رفضت ترشيحه، ليس احتجاجاً على هفوته الشهيرة، ولا استجابة للوبي الصهيوني في أميركا، بل ــــ ببساطة ــــ «لأنه لا يجيد الإنكليزية» حسب مصدر في السفارة الأميركية في القاهرة. كذلك إن الوزير ــــ المرشّح تجاوز الثانية والسبعين، والمؤسسة الدولية المعنيّة، تحتاج، من وجهة النظر الأميركية، إلى طاقات وخبرات شابة. والملاحظ هنا أن مستشاري الوزير يحاولون تسويق فكرة أن الرفض الأميركي هو نتيجة ضغوط إسرائيليّة، وذلك بهدف تحويل معركة مرشّحهم إلى قضية وطنية. ألا يندرج في هذا السياق تصريح محمد سلماوي، رئيس «اتحاد الكتّاب»، وهو أيضاً رئيس لجنة الترويج لحملة فاروق حسني؟ قبل يوم من زيارة الرئيس الأميركي أوباما للقاهرة، أصدر سلماوي بياناً باسم أعضاء الاتحاد، يطالبون فيه من أوباما ترشيح حسني للمنصب.
عندما تسكت مدافع المعركة على عرش الأونيسكو، ينبغي أن تتوقف الإدارة المصرية لتسأل نفسها: ما الذي خسرته في هذه المواجهة الاستنزافيّة التي تنازلت خلالها عن العديد من المواقع المضمونة في المؤسسات الدولية، من أجل طموحات وزيرها؟ نذكر على سبيل المثال رئاسة «منظمة الفاو»، من دون أن ننسى تنازل مصر للمغرب عن مواقع دوليّة مختلفة، مقابل تراجع مرشحة المملكة الدكتورة عزيزة بناني عن طموحاتها لهذا المنصب في المنظمة الدوليّة التي تعرفها جيداً، وتتمتع داخلها باحترام واسع؟