عثمان تزغارتفي الدورة الماضية من «مهرجان كان»، أحدث لوران كانتيه المفاجأة. إذ أحرز «السعفة الذهبية» بفيلمه «بين الجدران» واضعاً حدّاً لغياب فرنسي طويل منذ فوز موريس بيالا بالجائزة الكبرى عن «تحت شمس الشيطان» عام 1987. وما زاد من وقع المفاجأة أنّ «بين الجدران» أُلحق بالمسابقة متأخراً، ولم يكن أحد يتوقع أن يكون له شأن في جوائز دورة غلب عليها الهمّ السياسي، فيما عملُ لوران كانتيه حميميّ يروي قصة إنسانية مؤثرة لمدرّس يحاول إخراج مجموعة طلاّب في ثانويّة في إحدى ضواحي باريس من براثن الانحراف وإغراءات الشارع، عبر زرع حبّ القراءة والأدب في أنفسهم. الفيلم مستوحى من كتاب بيوغرافي لمدرّس لغة فرنسية، يدعى فرانسوا بيغودو، طلب منه كانتيه أن يؤدي دوره بنفسه في الفيلم. بينما أُسندت الأدوار الأخرى إلى ممثلين غير محترفين اختيروا من بين طلاب تكميلية في أحد أحياء باريس الشعبية. لم تكن تيمة الفيلم جديدة، لكن المنحى التجريبي الذي سلكه كانتيه، معتمداً على الارتجال والعفوية، أبهر لجنة تحكيم «كان 2008» برئاسة شين بن، فمنحته «السعفة الذهبية» بالإجماع. ونجح الشريط لاحقاً في استقطاب 3 ملايين مشاهد في فرنسا، وهو رقم قياسي لفيلم غير كوميدي.
لكنّ الحفاوة النقدية التي حظي بها لم تحصّنه من الانتقادات، إذ نظمت بعض نقابات المعلمين تظاهرات احتجاجية لدى طرحه في الصالات الفرنسية، الخريف الماضي، بحجة أنّ نبرة العمل المغالية في التفاؤل لا تعكس حقيقة الأوضاع المتأزمة في مدارس أحياء الضواحي! ثم عاد الجدل أخيراً مع تسويق «بين الجدران» على dvd، وتزامنه مع نزول فيلم جان بول ليلينفيلد «عيد التنورة» إلى الصالات. وقد حاول بعضهم المقارنة بين الفيلمين، لأنهما يعكسان نظرتين متضادتين لواقع المدارس في أحياء الضواحي الفرنسية. في مقابل ما تضمّنه «بين الجدران» من نظرة مغالية في التفاؤل، وجد فيها بعض النقاد الفرنسيين «لمسة ساركوزية»، رأى آخرون أنّ الخطاب السوداوي المتشائم الذي غلب على «عيد التنورة» يصبّ الماء في طاحونة اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، إذ يفترض سلفاً أن كل أبناء الضواحي «متخلفون» وخارجون حكماً عن القانون! وفي كلتا الحالتين، اتسمت الانتقادات بالتعميم والتجني. إذ نسي الجميع أن الأمر يتعلق بعملين سينمائيين يعكسان تجارب فنية ذاتية. لا يدعي أيّ منهما التحدّث باسم أحياء الضواحي أو امتلاك الحقيقة المطلقة حول ما يحدث في تلك الأحياء.