بيار أبي صعبكنا نعرف أنّه شاعر، من دون أن نقرأ له قصيدة واحدة. مرّت سنوات طويلة من الصداقة والشراكة والتواطؤ الفكري والثقافي، ونحن ننتظر. أخيراً وصل الكتاب الأحمر الصادر عن «دار النهضة» البيروتيّة، وعلى غلافه عنوان مقتضب: «الغرام». ليس من السهل على مثقف حاضر في كلّ المعارك داخل بلاده وخارجها، وكاتب سياسي وناقد وصحافي تهتزّ القاهرة لمقالاته أحياناً، أن يجاهر فجأة بهويّته (الشعريّة) الأولى. يتطلّب الأمر كثيراً من الشجاعة أو الطيش لركوب هذه المغامرة. وائل عبد الفتّاح شجاع بلا شكّ، ولعلّه طائش أيضاً. مجموعته الأولى هي في الحقيقة مجموعة ثانية، لكن سابقتها وعنوانها «كسالى» لم تنشر بعد في كتاب. يبدأ هنا بمقطعين منها على سبيل الإحالة، وهي مبادرة غريبة بعض الشيء طبعاً. أشياء كثيرة في كتاب وائل توحي بالغرابة. المشاعر الدقيقة تبتلعها الكلمات الفجّة، والشبق المؤجّل يربض تحت جبال الذهنيّة والتجريد، والغنائيّة هناك ما يقطع تواصلنا معها، كأنه التغريب البريختي.
كل سطر جملة تنتهي بنقطة. والنقط المتسلسلة كثيرة تخترق الجمل كثقوب. لعلّ الشاعر يخجل من رقّته، لذا تراه يتدخّل شخصيّاً كي يكسر انسياب الشعر. ينسّق فوضى المشاهد، ويحتال على تشوّش الصور. يبتكر ألعاباً وتمارين كلاميّة ـــــ كما يرندح المغني بحثاً عن طبقة صوتيّة أو نغمة ما ـــــ ثم يتجلّى فجأة: «قلبها ربّما الذي كان يدقّ... لكنّني ظننته ساعة جارتي المنسيّة في الجاكيت». أحياناً ضربة واحدة تكفي لتذكرّنا كم أنه شاعر: «الرائحة التي كانت في يدك تخصّني./ أنا.../ الأنانيّ العابر في الحياة./ تقيمين بيتاً./ وأغرق في ساحات الحروب...». وائل شاعر في طريقه الدائم إلى القصيدة.