كائنات رؤيا عيسى في معرضها الأول «لقد عشتُ في فقاعة»، الذي تستضيفه «غاليرى المدى» في دمشق، تبدو كأنها هاربة من عالم جحيمي وكابوسي لا فكاك منه. شخوص محاطة بالعزلة، هجينة وحائرة بين ذكورتها وأنوثتها، تحتمي بتعويذاتها وأيقوناتها اتقاءً من خوف مجهول. وإذا بها ترى العالم في مرآة حلميّة أخرى. المرأة بشعرها الطويل تجد نفسها صلعاء في المرآة المقابلة، أو تتضاءل في سريرها إلى مجرد شبح قبالة بومة على الحائط المجاور. الأحمر يخطف الأبصار في أعمال التشكيلية السورية الشابة (1975)، فيتمركز في عمق اللوحة بخشونة على شكل فزّاعات وطيور وأحصنة، وخطوط صريحة تفصل بين عالمين متضادين في شهوانية تدميرية، إذ يتشبّع القماش أو الخشب بالإكريليك، لتنبثق صرخات مكتومة، واحتجاجات على براءة مفقودة، بتعبيرية تبلغ حدود السريالية. هذا ما نلمسه في أعمالٍ أخرى مجاورة، فتتطاول الأرجل إلى تخوم اللوحة، ثم يتضاءل الجسد إلى مجرد قدم مبتورة. تنشئ رؤيا عيسى على مهل حياةً موازية وبديلة بانتظار ما لا يأتي، مثل بينلوب تغزل خيوط الزمن الضائع في مهب الحيرة والانتظار. المرأة الصلعاء مرةً أخرى تتدثر في سريرها وتقطف زهرة عباد شمس من جذورها وراء جدار أسود داكن. أي كوابيس وأحلام تعيشها رؤيا كي تزاوج بين هذا «الخيال التعويذي» والواقع الشرس الذي يحاصرها بعنف، فلا تجد سوى حميمية الداخل ومفرداته الشحيحة في غرفة كتيمة بلا نوافذ. هل نبحث عن كلمة السّر في رسوم الأغطية التي تتدثر بها كائناتها المهزومة والهلعة؟
ربما. فطائر البوم يتسلّل من الجدار إلى الغطاء، ليتماهى بين زخارف ومنمنمات ودوائر، لكننا غير متيقّنين تماماً من أسباب وجوده: الشؤم أم تعويذة لحماية الأرواح التائهة من موت محقق؟ رؤيا عيسى التي درست التصوير في كلية الفنون الجميلة في دمشق، غابت عقداً من الزمن، وها هي تقتحم الساحة فجأة بمغامرة لونية مدهشة .
خليل...


حتى27 الحالي ــ «غاليري المدى»، دمشق ــ 00963112322275