strong>جاد نصر اللهبدأت سابا فارس قبل عامين رحلة بحثها في صحراء السعودية عن القبائل المسيحية العربية التي سكنت شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، متسائلة عن حقيقة الوجود المسيحي في هذا الجزء من العالم القديم. وقد أتت الباحثة إلى بيروت بدعوة من جامعة الـ ALBA حيث عرضت أمام حشد من المعماريين والعلماء المرحلة الأولى من دراستها التي بدأتها في 2007. أقامت سابا في الموقع المذكور مع فريق عمل ضمن مشروع فرنسي ــــ سعودي، على أن تستكمل جولتها الثانية في نيسان (أبريل) المقبل. وتهدف إلى تطوير البحث عن الأديرة الشرقية والقيام بدراسة جيومورفولوجية لمجتمع الرهبان في تلك المناطق.
يقع الدير الأثري موضع الدراسة في منطقة «كلوى» التي تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود مع الأردن، وهي معزولة تماماً، تفصل ثلاثة كيلومترات بينها وبين أقرب طريق اسفلتية في الصحراء السعودية. كانت عالمة الآثار البريطانية جيرترود بيل أول من اكتشف الموقع في 1914 حتى ورد ذكره لاحقاً في كتاب أسفار جورج هورسفلد الذي مرّ من هناك في 1932، وتبعته بعثة ألمانية عام 1938.
قسّمت فارس المجمع الأثري (agglomeration) ثلاثة أقسام: الأول في الجنوب الغربي يظهر بناءين مستطيلين متصلين غابت عنهما كل أشكال الفتحات، ما يرجح أنّهما كانا خزاني ماء ضخمين. بينما القسم الثاني عبارة عن خمسة أبنية بسيطة الشكل، يصعب تحديد أي طابع معماري لها والفترة الزمنيّة التي شُيِّدت فيها. هذه الأبنية تلتف دائرياً حول مستطيل سادس يتوجّه إلى الشرق على عكس كلّ الأبنية الأخرى الموجهة إلى الغرب، «ما يؤكد أنّها كانت كنيسة الدير، إضافة إلى نقوش الصلبان الظاهرة على حجارة البناء ورسوم ما زالت في حالة ممتازة وكتابة عربية قديمة». أما القسم الثالث فعبارة عن وحدات مبعثرة ذات مستويين من العلو، قالت فارس إنّها كانت تجمّع الرهبان وساكني الدير. ويمكن أن تكون كلوى مشتقة من اليونانية «كيليوس» keleos، أي التأمل والعزلة. وهي تشبه آثار «كليا» المصرية.
أثارت دراسة سابا فارس جدلاً وشكّك حاضرون في صحة استنتاجاتها. ورأى العميد الأسبق لـ«كلية الفنون الجميلة في جامعة الروح القدس» ألكسي مكرزل أنّه لا إشارة حقيقية وعلمية إلى أنّ هذه الآثار تشير إلى دير وأنّ كلّ ما تقدّم لا يبرهن ذلك حتى بالاستناد إلى التقسيم الهندسي لأجزاء التجمع. لكنّ سابا أكّدت أنّ الدراسة ما زالت في أولها، مشيرةً إلى أنّ المرحلة التالية ستركّز على سبر أغوار التربة في الأقسام الثلاثة وأنّ التحدي الأساسي لها هو معرفة البيئة الحقيقية التي عاشها ساكنو هذا المكان والمصير الذي لاقوه.