محمود عبد الغني
على هامش «مهرجان دبي للشعر»، انعقدت ندوة «ترجمة الشعر» شارك فيها المترجم والناقد عبد الواحد لؤلؤة والباحث عبد الله الدباغ. تحدث الأخير عما سمّاه «الترجمة الاستشراقية» حيث ناقش أفكاراً تتعلّق بالترجمة وردت في كتاب إدوارد سعيد الشهير «الاستشراق». وقد رأى الدباغ أنّ الاستشراق ليس عملية تشويهية دوماً. بواسطة الترجمة الاستشراقية، أصبح «ألف ليلة وليلة» كتاباً عالمياً بعد ترجمته إلى اللغات العالمية، وأصبح ذلك البعد الشرقي الساحر في بنية مجمل الآداب الغربية. أمّا المفاجأة فكانت عرض عبد الواحد لؤلؤة مجموعة أفكار جاهزة ومطلقة حول الترجمة. وهذه الأفكار هي خلاصة لؤلؤة لتجربته في الترجمة أو «النقل» حسب مصطلح الجاحظ. منذ البداية، وكي يؤكد استحالة ترجمة الشعر، استنجد لؤلؤة بالجاحظ ومقولته الشهيرة «الشعر لا يستطاع أن يترجم...».
ذكر لؤلؤة ثلاثة شروط لا بد من توافرها عند المترجم أو «الناقل» حسب تعبيره: عليه أن يكون واثقاً من معرفته الدقيقة بلغته الخاصة وباللغة الأجنبية ويعرف جيداً تاريخ اللغتين، إضافةً إلى معرفته بلغات ترتبط بالعربية (الفارسية والسريانية) وباللغة الأجنبية (اللاتينية). وهذا كلام يدخل في باب البديهيات. معرفة اللغة أمر مطلوب لكنّها ليست كافية. المطلوب أن يكون المترجم عارفاً باللغة الخاصة بالشاعر الذي يترجمه، ومدركاً لعالمه الحسي والعقلي. وقد أعطى الشاعر والمترجم فيرناند فيرهيسن مثالاً على ذلك بالشاعر رينيه شار مؤكداً أنّ «اللغة التي يستعملها تتحاور مع أسلوبه باعتباره شاعر العلاقات الضيقة جداً التي تحدث تغييرات، ما يضعها في مجال مختلف كلياً».
ويعلم الشعراء قبل غيرهم أنّ ثمة نواة في القصيدة، ينبغي للمترجم لمسها ومعاملتها بـ«قداسة». إنّ الشاعر في قصيدته يحاول الإجابة على نداء ما. من ذلك المكان تبدأ القصيدة أو الرواية، وعلى المترجم أن يدرك تلك المنطقة إدراكاً لسانياً وحسياً وفكرياً. هذا هو الفراغ الذي ينبغي أن ينصت إليه المترجم.
إن الترجمة «محنة» يختبر فيها المترجم قدراته مع النصوص. بل إنّ بول ريكور يعتبرها «امتحاناً». هذا الامتحان كامن أساساً في مهارة الاختفاء بين اللغات «بهدف استعمال هذا الاختفاء لا إلغائه» حسب تعبير فيرهيسن.