ورشة العمل التي استضافها معهد غوته في القاهرة، بمشاركة مبدعين شبان، أثمرت معرضاً يضمّ رسوماً جريئة بلغة الحياة اليوميّة. ما أزعج السلطات طبعاً
محمد خير
«إذا كان بعضهم يرى أنّ هذا الجيل يدمّر الثقافة والفنون، فعليه أن يتأكد من ذلك الآن»! هكذا يقدّم الفنانون مجدي الشافعي وأحمد عادل وجيمي هود قصتهم المصوّرة «الهس في الفراغ» ضمن معرض «التجربة الكوميكية» في القاهرة. التجربة بدأها 20 شاباً وشابة، لكنّ 15 منهم فقط أكملوها حتى النهاية. التجربة الكوميكية هي العنوان العاميّ شبه الساخر لورشة الكوميكس «القصص المصوّرة» التي افتُتح معرضها في معهد «غوته» في القاهرة، ويستمر حتى 28 آذار (مارس) الحالي. بوسع الجمهور أن يطّلع على الإبداعات التي نتجت من ورشة عمل استضافها المعهد لمدة شهر كامل، وتعاون فيها رسّامون وقصّاصون شبان... وكانت النتيجة هذا المعرض النادر من نوعه عربياً. فنّ الكوميكس ليس مجرد حكايات رُسمت، بل هو عالم مرسوم لذاته، تفاصيله البصرية جزء لا يتجزأ من «الحدوتة». وأحياناً، تصبح هي ذاتها الحدوتة كما في قصة «يا رايح» التي كتبها ورسمها محمد صلاح. وقد غامر هذا الأخير بأن تناول بالرسوم العالم «النفسي» لبطل القصة الذي تتوالى هزائمه.
الورشة أشرف عليها كلّ من الألمانية إيزابيل كرايتس، والمصري مجدي الشافعي. الفنان التشكيلي المذكور أصدر العام الماضي رواية «مترو» ــــ المعروفة بأنّها أول رواية غرافيك عربية ــــ التي صادرتها السلطات بدعوى «خروجها على الآداب العامة». وبالطبع، كان لا بد للسلطات، بالمنطق نفسه، من مصادر معظم لوحات «التجربة الكوميكية». إذ خرج بعض فنانيها عن المألوف برسوم «جريئة» تخالف «الأخلاق» المتعارف عليها، وبلغة حوار انتقت مفرداتها من الشارع، بالمعنى الحقيقي للكلمة... الأمر الذي دعا عدداً ممن بدأوا الورشة إلى الاعتذار عن عدم إكمالها، فهم لم يتوقّعوا كل هذا «التحرر».
ورشة الكوميكيس القاهرية ليست الأولى من نوعها، يقول مجدي الشافعي، إذ سبقتها ورشتان: الأولى في الجامعة الأميركية قبل سنوات، والثانية في غاليري «تاون هاوس» العام الماضي. لكنّ الورشة الحالية هي الأكثر تنظيماً ونتاجاً. وقد شهدت تجارب مهمة حقاً وتفاعلات، أبرزها أنّها شهدت تعاوناً بين فناني الكوميكس، وروائيين شبان بينهم أحمد ناجي، محمد فتحي، أحمد وائل. كما أن الورشة توفر لقاءات بين الفنانين وناشرين، وتضمن لفناني الكوميكس أن ينتجوا ما يحبّونه حقاً، بدلاً من تضييع جهدهم في العمل في الدعاية والإعلان.
لكنّ التفاعل في تجربة المعرض لا يقتصر على اشتراك روائيين فيه، إذ يشارك أيضاً فنانو كاريكاتور شبان محترفون، بينهم مخلوف وعبد الله أحمد. وحالما يبدأ زائر المعرض المزدحم جولته حتى يكتشف مدى الحرية التي خاضها الشبان في تجربتهم. في قصة «w.c»، تأليف محمد فتحي ورسوم حازم كمال، ندخل إلى دورة مياه عامة قاهرية، بازدحامها واختلاف «أغراض» شاغليها.
في «بحبك يا بلوتو» التي رسمتها أمينة كامل وكتبها أحمد وائل، نكتشف أنّ الفتاة العارية ما هي إلّا «مزّة فضائية» اخترقت عالم شخص متوحّد من خلال الطريق الوحيد المفتوح أمامها: تليسكوبه! بينما رسمت أسما علي «الحياة العادية لزيزو» التي يرويها أحمد ناجي، ويشرح جيمي هود نظرته الخاصة من خلال رسوم بسيطة تؤكد أننا جميعاً «كتلة في فراغ نوتة موسيقية جرى تأليفها مسبّقاً».
أما الفنان محمد السيد توفيق، فقد كتب سيناريو «يوتوبيا ــ هريدي في المدينة الفاضلة» التي رسمها عامرحمدي، قبل أن يعود توفيق هذه المرة ليرسم «بلاد الكريبتوفول» تأليف تامر فتحي، ويتحرك كريم أحمد زمنياً ليقدم «داني ــــ سوبر هيرو مصري»، متخيلاً ما قد يكون بعد 50 عاماً. ويتنافس بقية الفنانين أحمد عبد المعبود، أحمد عكاشة، إسماعيل يوسف، محمد حسني، في تقديم تجربتهم «الكوميكية» إلى جمهور لم يتعودها بلغته العربية، وبألفاظه المحكية.