رؤساء سود «حكموا» أميركا ومهّدوا لـ«البطولة المطلقة»عثمان تزغارت
قبل أن يتسلم باراك أوباما مفاتيح البيت الأبيض، كان قد سبقه أربعة رؤساء سود جلسوا خلف المكتب البيضاوي في «البيت الأبيض»... لكن افتراضياً، من خلال أفلام ومسلسلات هوليوودية أدّت دوراً في تحضير الرأي العام الأميركي لتقبّل فكرة أهلية «رجل أسود» لتولّي دور «البطولة الرئاسية». لكنّ الأمر لم يكن سهلاً، بل تطلّب أكثر من ثلث قرن قبل أن يكتسب البطل الرئاسي الأسود صدقيّته وشعبيته. أول «رئيس أسود» قدّمته هوليوود لأميركا عام 1972، كان اسمه دوغلاس ديمان، وتقمّص دوره جيمس إيرل جونز في The Man (إخراج جوزف سارجنت)، وهو لم يصل إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع، بل إثر سلسلة تطورات درامية: كان رئيساً لمجلس الشيوخ وأُسندت إليه رئاسة الدولة بالنيابةإثر الوفاة المفاجئة للرئيس، ثم لنائب الرئيس، ثم لرئيس الكونغرس! وبذلك آلت إلى السيناتور ديمان مسؤولية تولي الحكم.
ورغم ذلك الطابع الاستثنائي الذي أحاط بوصول أول ممثل أسود إلى البيت الأبيض... من طريق هوليوود، فقد كان استقبال الفيلم سلبياً على مستوى النقد والجمهور. حتى إنّ ذلك «الفشل» كاد يعصف بنجومية جيمس إيرل جونز الذي اختير لهذا الدور، بسبب الكاريزما الباهرة التي برهن عنها من خلال شخصية الضابط لوذر زوغ في رائعة ستانلي كوبريك Dr Strangelove. وكان الجميع يتوقعون أن يكون الدور الرئاسي مفترقاً في مساره الفني. وقد كان بالفعل، لكن بأثر عكسي. إذ لم يجد مُخرجاً يجرؤ على إسناد أيّ دور إليه، طوال 4 سنوات! ولم يخرج من «المطهر» إلا بعدما أسند إليه جيمس غولدستون دوراً ثانوياً في Swashbuckler (1976)... فإذا بمساره يشهد انطلاقة ثانية ليعود واحداً من نجوم المصاف الأول في هوليوود («حرب النجوم»، إلخ).
ردّ الفعل العنصري التي استُقبل به أول رئيس أسود على الشاشة، جعل الاستوديوات الهوليوودية تتخلى عن الفكرة، في انتظار أيّام أفضل... وقد طال الانتظار أكثر من ربع قرن! ورغم أنّ البطل الرئاسي يمثّل لازمة في السينما الهوليوودية (راجع الصفحة المقابلة)، إلا أنّ «مصنع الأحلام الأميركي» لم يعاود الكرّة بتقديم رئيس أسود سوى سنة 1998، من خلال Deep Impact (إخراج ميمي ليدر) الذي تقمّص فيه مورغان فريمان دور ثاني رئيس أسود على الشاشة. كانت موجةً ليبرالية قد اجتاحت الرأي العام الأميركي، خلال سنوات كلينتون، فاستقبلت الظاهرة هذه المرة بإيجابية ملحوظة، ونجح الفيلم نقدياً وجماهيرياً. وكان لافتاً أنّ هذا «الرئيس الأسود» الثاني جاء منتخباً ديموقراطياً. ومع ذلك، لم يخل سيناريو Deep Impact من احتياطات كثيرة اتُّخذت لإرضاء تحفظات جزء (أساسي) من «الجمهور الأبيض».
يصوّر الفيلم واحدة من قصص الخوارق التي تملك هوليوود سرّها: تعرّض الكرة الأرضية لخطر الاصطدام بكتلة ضخمة من النيازك تهدّد البشرية. ورغم أنّ البطولة الرئاسية عادت هنا إلى رجل أسود تولّى تزعّم معركة البشرية من أجل البقاء، إلا أنّ البطولة الفعلية كانت من نصيب مراهق أبيض، أُسند إلى إيليجا وود (بطل ثلاثية «سيد الخواتم»). هذا الطفل النابغة المولع بعلم الفلك هو أوّل مَن اكتشف تلك النيازك، فدلّ وكالة «ناسا» على كيفية التخلص منها!
ولم يصبح دور الرئيس الأسود إيجابياً بالكامل إلا بفضل المسلسل التلفزيوني «24 ساعة» (إخراج جويل سيرنو) الذي أُطلق بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) لركوب موجة رُهاب الجماعات الإسلامية المسلحة الذي يتملّك العالم. يصوّر كل موسم من هذا المسلسل 24 ساعة في حياة خلية مكافحة الإرهاب الأميركية، خلال تعرّض البلاد لهجمة إرهابية مروّعة تتنوع من موسم إلى آخر في المسلسل (هجمة إرهابية نووية، مؤامرة لاغتيال الرئيس، إلخ). حقّق المسلسل منذ موسمه الأول نجاحاً عالمياً، ما جعل بطله جاك باور (النجم كيفر سوثرلاند) يفوز بجائزة «غولدن غلوب». لكنّ الموسم الثاني من المسلسل حمل مفاجأة كبيرة تمثلت في انتزاع الشعبية منه على يد دونيس هايسبرت الذي أُسند إليه دور رئيس أميركي أسود يدعى ديفيد بالمر، انتُخب في ظروف عصيبة أدت إلى اغتيال سلفه. واحتفظ جاك باور بدور البطل التقليدي صانع الخوارق الذي يطارد الإرهابيين. لكنّ «الرئيس بالمر» سحب منه تدريجاً بساط الشعبية، ليصبح الشخصية المحورية للمسلسل، بفضل «الكاريزما الهادئة» التي يتصف بها.
وفي صيف 2003، غامرت هوليوود بتقديم كوميديا تجارية بعنوان Head Of State، نجحت في تصدّر شباك التذاكر، وأُسندت بطولتها إلى النجم كريس روك الذي وجد نفسه في هذا الفيلم «بطلاً رغم أنفه»، إثر اختياره مرشحاً للرئاسة من الحزب الديموقراطي، بعدما كان معاوناً بسيطاً لمرشح الحزب العجوز الذي قضى بنوبة قلبية في خضمّ الحملة الانتخابية. ويصوّر الشريط المفارقات التي تحدث في حياة المعاون البسيط الذي أصبح مرشحاً للرئاسة، لكنه ينجح، بفضل بساطته وصدقه، في مقاومة الإغراءات وتذليل العقبات ليستحق الفوز بالرئاسة.