إنّها الشاهدة على عصر ذهبي كان للطرب فيه موقع الصدارة. صاحبة التجربة الغنيّة والموهبة الفريدة، انزوت في عزلة النسيان. حكاية استثنائيّة انتهت آخر فصولها أمس في أحد مستشفيات بيروت
باسم الحكيم
بعد معاناة عام ونصف عام مع المرض، وضعت صباح أمس نقطة نهائيّة في الفصل الأخير من رحلة امتدت نصف قرن. ماتت المطربة وداد. لعل الاسم لا يعني كثيراً لجيل الفيديو كليب، لكنّ الذين سبقوه يتذكّرونها صاحبةَ مجموعة من أشهر أغنيات الخمسينيات والستينيات، ومن بينها «خبر كل الناس»، «ألف وردة ووردة»، «صبّحتو ما ردّ» و«أمي الحبيبة». ومَن منّا لا يحفظ على الأقلّ أغنية «بتندم وحياة عيوني بتندم» التي كتبها ولحّنها سامي الصيداوي، على أثر خلاف الراحلة مع الموسيقار الراحل توفيق الباشا الذي تزوّجت به في منتصف الخمسينيات.
وُلدت وداد في تونس في شهر أيلول (سبتمبر) من عام 1931، من أبوين يعملان في المجال الفني. فوالدتها هي المطربة الإسكندرانيّة صالحة المصريّة، ووالدها هو الفنان الحلبي فرج عوّاد، الذي كان رئيس الفرقة الموسيقيّة لمنيرة المهديّة. وفي بغداد افتتح والداها مسرحاً عرف بـ«تياتر كليوباترا»
يصعب اختصار المشوار الفني لوداد أو بهيّة وهبي بسطور. عرفت في بداياتها الفنية باسم «بيبي» الذي أطلقه عليها مدير الإذاعة اللبنانيّة يومذاك فؤاد قاسم، حين لم تكن تتجاوز التاسعة من العمر. غير أن الطفلة غنت قبل ذلك بعامين مع وديع الصافي الذي جمعته صداقة مع والدها، إضافة إلى عملهما معاً في تجارة الطحين أيام الحرب العالميّة الثانيّة.
بحكم عمل والديها، كانت حياة وداد حافلة بالتَّرحال والتنقل بين العواصم العربية. في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، استقرت العائلة في بيروت، وبدأت وداد في الإذاعة الوطنية اللبنانية تغنّي السنباطي وليلى مراد وفايزة أحمد وعبد الحليم حافظ، ولمّا تبلغ التاسعة. ثم راحت تقوم بجولات فنية في لبنان وسوريا، حتى بلغت الخامسة عشرة. وحين سافرت برفقة والديها إلى القاهرة، تلقّت هناك عرضاً لتصوير 9 أفلام كان يُفترض أن تجمعها بفريد الأطرش، ومحمد فوزي، وأنور وجدي، مروراً بفاتن حمامة... منعها والداها من توقيع العقد، ففرّت مع محمد عبده صالح، القانونجي في فرقة أم كلثوم الذي وعدها بأن يجعل منها نجمةً. لكنّ غيرته ما لبثت أن ظهرت بعد الزواج، وتوصّل والداها إلى استرجاعها منه بمساعدة أم كلثوم.
بعد سنوات، اشتهرت باسم بهيّة وهبي، إثر زواجها الشاعر عبد الجليل وهبي الذي ألّفت معه ومع فيلمون وهبي ثلاثيّاً فنيّاً. وبعد انفصالها عن وهبي، طلب منها عاصي ومنصور الرحباني وتوفيق الباشا أن تعتمد لنفسها اسماً فنيّاً. كذلك أسهمت مع حليم الرومي في إطلاق اسم فيروز على نهاد حدّاد، وشاءت المصادفات أن تختار فيروز اسمها الفني عن طريق القرعة في إذاعة الشرق الأدنى، فكان اسم وداد. بعد ذلك، تزوجت (1955) من الموسيقار توفيق الباشا، وأنجبت منه 3 أبناء هم: الموسيقار عبد الرحمن الباشا، رندة وريما، قبل أن ينتهي الزواج بالانفصال.
كثيرون كتبوا ولحّنوا لوداد، لكنّ التعاون الأمتع، كما تقول، كان مع سامي الصيداوي الذي ربطتها به علاقة صداقة. فقد كانا يتناقشان في أمورهما الحياتية، وعذابات الحب التي يمران بها. من هذه العذابات كان الصيداوي يستوحي ليكتب ويلحن، ووداد تغني، فأتت أغنيات «بتندم»، «يا ناعم»، «يسلملي الفهم»، «صبحتو وما ردّ»...
في السنوات الأخيرة، شاءت وداد أن تهدي محبيها أغنية «يا بيّاع النظارات» من كتابة عبد الجليل وهبي ولحن جورج شاكر. ورغم أنها سجلتها فعلاً، بقيت الأغنية حبيسة الأدراج.
آخر إطلالات وداد «الفنية» كانت في اللقاء الذي نظّمته «دار المدى» قبل أشهر احتفاءً بتجربتها. يومها، سُئلت المطربة اللبنانية عن سبب توقّفها عن الغناء، فأجابت: «لأن الناس ما بقى يحبّوا الطَرب، صاروا يحبوا الضَرَب».

يصلّى عليها بعد ظهر اليوم في مسجد سليم سلام، ثم تقبل التعازي في المسجد بين الساعة 3 والساعة 6، وفي منزل ابنتيها فاطمة عبد الجليل وهبي ورندة توفيق الباشا.