بيار أبي صعبغابت غزّة عن الإعلام... لم تعد الشاشات وصفحات الجرائد تكرّس لها مكان الصدارة. وعادت غزّة إلى واقعها: مأساة إنسانيّة متواصلة، وكارثة وطنيّة يستحيل تجاوزها، جرحاً جماعياً في الوجدان العربي والإسلامي، سيمرّ زمن طويل قبل أن يندمل. انتهت الحرب؟ ليفني تعلن بفجور: يجب أن نوقف «تهريب الأسلحة» إلى غزّة. تردّ الديموقراطيّات الكبرى خلفها في كورس موحّد: الحلّ في إيقاف «تهريب الأسلحة» إلى غزّة. وتهزّ الديكتاتوريات العربيّة برأسها علامة الموافقة، كما يفعل الكومبارس الرديء في المسرحيّات الرخيصة، وهي تجاهد كي تخفي خزيها وتموّه تورّطها المباشر في الجريمة. كل هؤلاء هم قتلة أطفال فلسطين. لأنهم لا يعرفون أن «الحلّ» الوحيد في أن يعود الحق إلى أهله... في انتظار أن تثبت إسرائيل، لمرّة واحدة في تاريخها، أنّها تفهم لغة أخرى غير لغة العنف.
نتضامن مع أهل غزّة اليوم، من أجل ألّا ننسى الجريمة المستمرّة بأشكال مختلفة، وفي أماكن كثيرة. ومن أجل معاقبة كل المسؤولين عنها، بكل الوسائل المتاحة. التضامن غير الفولكلور، وغير خطابات المناسبات الزائفة. الذين ذرفوا دموع التماسيح، بعدما باركوا المجزرة ـــــ بشكل أو بآخر ـــــ أسابيع، بل سنوات قبل حدوثها، رأيناهم في آخر أيام العدوان يشبكون على الدبكة في النوبة التضامنيّة المفاجئة. نتضامن مع أهل غزّة بأن نصيخ السمع إلى بكاء الثكالى، إلى صراخ الأهالي الغاضبين الذين يضمّدون جراحهم. نتضامن بأن نسدد اصبع اتّهام صريحة إلى القتلة وأعوانهم وأسيادهم.
«تلفزيون لبنان» الذي فقد جمهوره للأسف، مذ ضحّت به الدولة على مذبح أمراء الطوائف، يطلق اليوم حملة تضامنيّة (تليتون) كما تفعل التلفزيونات الأجنبيّة للتضامن مع ضحايا شلل الأطفال أو السرطان أو الكوارث الطبيعيّة. بادرة نبيلة، نأمل أن تلتف حولها الفضائيّات الخاصة على اختلافها... لكن ما حدث في غزّة، وقبلها في لبنان، ليس كارثة طبيعيّة. التضامن مع أهل غزّة يعني أن نبصق بوجه جزّاريهم. أن نعطي الكلمة لشهود على المجزرة، من داخل «الغيتو»... أو من السجن العربي الكبير!