روايتها الصادرة عن «دار الجديد» في بيروت، تغوص في جراح بلد تحت الاحتلال. لكنّ حفلة التوقيع في الزمالك كانت تخبّئ للكاتبة والصحافيّة العراقيّة بعض المفاجآت
القاهرة ــــ سيد محمود
مفاجأة من العيار الثقيل كانت في انتظار الكاتبة العراقية إنعام كجه جي، خلال حفلة التوقيع التي أقيمت للطبعة الثانية من روايتها «الحفيدة الأميركية» («دار الجديد»، بيروت) أوّل من أمس، في مكتبة «الديوان» في حي الزمالك القاهري. فكرة غريبة خطرت في بال مدير التسويق في المكتبة أمير الناجي، فإذا به، لياقةً، يطلب من فخري كريم، مدير «دار المدى» ومستشار الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي صدف وجوده هناك، أن يقدّم مواطنته إلى الجمهور. وهذا ما فعله في حضور مجموعة مثقفين مصريين بينهم الشاعر عبد المنعم رمضان والروائي إبراهيم عبد المجيد والشاعرة اللبنانية عناية جابر والروائي محمد العشري والشاعر محمد الحمامصي... إضافة إلى ناشرة كجه جي الكاتبة اللبنانية رشا الأمير.
أكّد فخري كريم أنّه لم يقرأ الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة لترشيحات جائزة «بوكر» العربية لهذا العام، وبدأ بتقديم الكاتبة بحفاوة لافتة، مركّزاً على محطات من حياتها المهنية كصحافية متميزة. لكنّ إنعام شاغبته ووجّهت عبارة دالة على خلافها السياسي معه. قالت رداً على التقريظ: «ربما غيّر الأستاذ فخري رأيه لو قرأ الرواية!». وقد رفع هذا التصريح من توتّر الأجواء، وزاد اهتمام الجمهور بما يجري. توقّع بعضهم، ربّما، أن تُفسَد المناسبة بالكامل، بسبب الخلاف السياسي بين كجه جي وكريم، لكنّ الأخير احتوى الموقف، وراح يناور لـ«استثمار» المناسبة على طريقة السياسي المحنّك: «حتى لو قرأت الرواية، فلن أغيّر موقفي من إنعام، لأنّنا لا نتّخذ موقفنا من الكتّاب والمثقفين على أساس موقفهم السياسي».
ووجد مستشار الطالباني نفسه مضطراً إلى التبرير: «لست أميركي النزعة، ولا مرحّب بالأميركان ولم أتعاون معهم». واستدرك: «لكنّي أعتقد وما زلت بأنّ الأميركيّين جاؤوا يحملون مصالحهم إلى المنطقة والتقينا معهم بسبب موضوعي هو إنهاء محنة العراقيين... وحتى هذه لم تكن بإرادتنا». وأضاف كريم: «للأسف الشديد، أولئك الذين رفعوا أصواتهم عالياً وقّعوا على وثيقة الاحتلال. أما نحن، فكان أمامنا خياران: إما ترك البلد ورفع شعارات أو السعي إلى تأسيس عراق جديد مع العلم بأنّ العملية السياسية معقّدة وملأى بالخطايا والأخطاء». ووصف صاحب «المدى» المصالحة العراقية بالـ«مشوّهة»، لأنّ مُطلقيها لم يحدّدوا ما المقصود بها، مؤكداً أنّ المصالحة مطلوبة مع المجتمع العراقي كله، وتعني «البعثيين الذين لم يرتكبوا جريمة، ولم يحملوا تراث النظام السابق ومنهجه»....
وفي محاولة للتخفيف من حدة المواجهة التي كانت متوقعة، قال الشاعر المصري عبد المنعم رمضان «لنحمي الرواية الآن من الخطاب السياسي». وكانت أنعام كجه جي قد قدمت عرضاً سريعاً لموضوع روايتها قائلةً: «لاحظت أنّ هناك شخصيات غنية وبطلة تموت بصمت من دون أن تجد مَن يسجِّل تاريخها. لذا، شعرتُ بأنّ الكتابة هي وسيلتي لترميم الذاكرة العراقية في مواجهة الزلزال الذي عصف بالعراق». ولفتت إلى أنّ النساء هن ذاكرة البشرية، لأنهن يحفظن ما هو أساسي. ورداً على سؤال عن أسباب اللجوء إلى الكتابة الروائية بعد 40 عاماً من العمل الصحافي، أجابت: «الرواية فنّ يستوعب أكثر مما يمكن أن تقوله الصحافة». وتابعت: «روايتي تكشف خطورة ما يجري في العراق، لكنّي لا أحكم على أحد ولا أدين أحداً. فقط أصف ما جرى».
وكان فخري كريم قد جاء إلى حفلة التوقيع مع وزير التعليم العالي في كردستان العراق ووزير الثقافة هناك فلك الدين كاكي، الذي ألقى عبارات مجاملة بشأن الكاتبة، معرباً عن أمله بأن «يجتمع العراقيون جميعاً على ضفاف دجلة مثلما اجتمعوا في القاهرة». وتعليقاً على ما جرى، وصفت كجه جي في وقت لاحق مسار حفلة التوقيع بـ«عملية اختطاف سياسي مارسها فخري كريم الذي أقحم في المناسبة من دون أي مبرّر». ووقّعت صاحبة «الحفيدة الأميركية» كتابها في مكتبات قاهريّة بينها: «الديوان»، و«الكتب خان»، و«البلد» في وسط القاهرة.