يُظهر ويلر وينستون ديكسون في كتابه «السينما والتلفزيون بعد 11/9» كيف أنّ اعتداءات 11 أيلول كانت صفقة رابحة لصنّاع السينما والمحطات التلفزيونية الأميركية
خليل صويلح
هل كانت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بصرف النظر عن كارثيّتها، صفقةً رابحةً لمحطات التلفزيون الأميركية وصنّاع السينما؟ هذا ما يؤكده ويلر وينستون ديكسون، محرر كتاب «السينما والتلفزيون بعد 11/9» (منشورات مهرجان الشرق الأوسط، أبو ظبي ـ ترجمة ثائر ديب). في كل الأحوال، كان ذلك الثلاثاء المرعب منعطفاً في الوعي القومي الأميركي، إذ دخلت أميركا حقبة موسومة بانعدام اليقين والخطر. يقول ديكسون إنّ «مأساة 11/9 الإنسانية الواضحة، حُوّلت إلى سلعة وأُعيد توضيبها لتباع بأثمان بخسة على هيئة لوحات أو أفلام فيديو تذكارية، معدّة بسرعة، لتطغى على كل محاولة من محاولات الإحاطة بمدى تأثيرها». هكذا أعادت هوليوود شهية الجمهور حيال الصراع على نحو يذكّر بموجة الأفلام التي رافقت انخراط أميركا في الحرب العالمية الثانية. بخلاف حرب فيتنام التي كانت محل جدال ساخن في أرجاء الولايات المتحدة، عملت الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون على دفع الجمهور إلى الدعوة للعمل ومقارعة العدو.
الكتاب محاولة لتفكيك آليات الصورة المرئية التي اقترحتها استوديوهات هوليوود ووجهات نظر أخرى، وخصوصاً الفيلم الجماعي الذي أنجزه 11 مخرجاً من العالم، بينهم كلود لولوش ويوسف شاهين وسميرة مخملباف. إذ انتقدت هذه الأفلام بطريقة مباشرة السياسة الأميركية، كأنّ هذا الحدث كان متوقعاً، رغم أسطوريّته، وهذا ما جعل مجلة Variety تصف الشريط بأنّه «مناهض لأميركا».
الصدمة البصرية لاختفاء البرجين من الذاكرة، ثم استعادتهما لحظة انهيارهما، مشهد سيتكرّر في معظم الأفلام التسجيلية التي وثّقت الحادثة. لكن هذا المشهد ـــ في المقابل ـــ سيحيل على صورة نيويورك وهي تفقد جبروتها المالي و«الحنين المعماري» لماضيها قبل الصدمة، وفق ما يراه ستيفن جاي شنيدر، بدليل ما أُنتج على عجل من بطاقات بريدية وملصقات وصور تُظهر البرجين سليمين بكل مجدهما. ولعلّ إعادة صورة انهيار البرجين تلفزيونياً كانت نوعاً من إشباع رغبة مازوخية بعض الشيء «إن لم تكن سادية، في إعادة اختبار صدمتنا الجمعية». أما خوان سواريز، فيجد أنّ بعض الأفلام رصدت أحداث سبتمبر من موقع الفقدان أو «نهاية حياة الشارع البريئة» على يد «حداثة ضارية».
من جهتها، ترصد إيزابيل فريدا في بحثها «ناجون في الجناح الغربي»، ذلك التشابك بين ما هو ثقافي وسياسي. إذ يتقاطع المرئي والسياسي في «دولة الطوارئ» وإذا بصورة الرئيس الأميركي تتحول إلى رمز للطمأنينة بوصفه محارباً شجاعاً للإرهاب العابر للحدود. حتى إنّ بعض الأفلام لجأ إلى إضفاء طابع الذكرى الاحتفالي على المناسبة المرعبة، حيث كانت الصور «تبحث عن مسار سردي متّسق ومتماسك» يعبق برائحة الوطنية والوحدة.
من ضفة أخرى، يوضح فيليب موسلي، أهمية فحص صورة الآخر للتعرف إلى أسباب العداء لأميركا، ويجد في فيلم «قندهار» لمحسن مخملباف، نموذجاً مثالياً للجمال المخيف، في بلد مقفر مثل أفغانستان، مزّقته الحرب وقدّم في ظل الحكم الخشن الذي مارسته طالبان غطاءً إيديولوجياً ومادياً كاملاً لتنظيم القاعدة الموجود هناك. «قندهار» كما يقول موسلي «يكشف عن حجم المعاناة شاجباً لا مبالاتنا السابقة وحاثاً إيّانا على ألا ننسى».
في «بكرات الإرهاب بعد 11/9»، يؤكد جوناثان ماركوفيتش أنّ هجمات 11 سبتمبر أسهمت في تعطيل كلّ أشكال الإنتاج الثقافي الأميركي، فيما كانت استوديوهات هوليوود مسعورة لعرض أفلام تمثّل الحادثة أو تستفيد منها رمزياً، بما يعكس حقيقةً مفادها أنّ ضروب التعبير العسكري الرفيع عن الوطنية، كما في فيلم «خلف خطوط العدو» و«سقوط البلاك هوك» لم تفقد رواجها قط. وقد وجدت لها فجأة علامة تجارية جديدة، ما يفيد أنه لا تزال هناك سوق لسينما العنف. وهذا ما أشار إليه جان بورديار بقوله «تشهد أفلام الكوارث التي لا تعد ولا تُحصى على هذه الفانتازيا التي تحاول تلك الأفلام أن تطردها بالصور كما تُطرد الأرواح الشريرة، وأن تغطي على الأمر كله بالمؤثرات الخاصة. غير أنّ الجاذبية الكونية التي تحوزها، والتي تضاهي جاذبية البورنوغرافيا، تبيّن أن ذلك التمثيل ليس بعيداً قط، وأن الدافع إلى رفض كل منظومة يغدو أشد قوة وهو يقترب من الكمال».