نيكولاس كيدج وسلمى حايك عبرا السجادة الحمراء، ولكندبيّ ــــ زياد عبد الله
الانتصار للسينما، أو الاحتفاء بها هو ما تطمح إليه الدورة الخامسة من «مهرجان دبيّ السينمائي». مع خفوت بريق السجادة الحمراء الذي كان المهرجان يتخذها منصةً لانتشاره حول العالم. لكنّها هذه السنة تحضر بحمرة أقل وخصوصاً مع إصابة أغلب المهرجانات العربية بهذه العدوى. مع أنّ نيكولاس كيدج عبر عليها أول من أمس لحضور فيلم «راشيل ستتزوج»، وكذلك فعلت سلمى حايك مع برنامج «سينما ضد الإيدز»، وجمعت هي وغولدي هاون ولورا ليني وجيفري رايت 1,8 مليون دولار في حفلة جمع التبرعات التي أقامتها مؤسسة «أمفار» للمساعدات الإنسانية. لكن حضور نجوم السينما المصرية شبه معدوم هذه السنة، فيما اقتصر حضور الممثلين السوريين على سلاف فواخرجي وجمال سليمان وتيم حسن وسامر المصري، وتوسّع الهامش للاحتفاء بالممثلين الإماراتيين والخليجيينالانتصار للسينما في الدورة الخامسة لم يكن في الأفلام المشاركة في مسابقة «المهر العربي»، بل في المشاريع التي يطلقها وتضفي طابعاً مؤسساتياً على المهرجان، أو منصة إنتاجية للأفلام العربية تتمثل بـ«ملتقى دبيّ السينمائي» الذي بدأ العام الماضي بتمويل مشاريع أفلام وتوفير جهات منتجة. إذ تلقى في هذه الدورة 21 مشروعاً لأفلام تتنافس على المنح الإنتاجية التي يقدمها الملتقى ورعاته، مثل فيلم «الرجل الذي في الداخل» لكريم جوري، و«منسي» للمصري عاطف حتاتة، و«وردية كان لها أولاد» للجزائرية جميلة صحراوي. وبموازاة ذلك، يأتي مشروع ترميم الأفلام العربية الذي يؤسس لشراكة مع مؤسسة «مارتن سكورسيزي لترميم الأفلام». إذ سيحرص المهرجان كل عام على ترميم فيلمين من كلاسيكيات السينما العربية التي غيّبها التلف عن شاشات العرض، ويبدأ المشروع هذا العام بفيلم واحد هو الكويتي «بس يا بحر» لخالد الصديق.
القضايا الساخنة حاضرة بقوة في المهرجان. «فلسطين في أعماقنا جميعاً» يقول المدير الفنّي للمهرجان مسعود أمر الله خلال افتتاح برنامج «ليال عربية» بفيلم «الرمان والمر» للفلسطينية نجوى نجار... فيما تشارك أفلام مثل «ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر و«إلى أبي» لعبد السلام شحادة ووثائقي«ذاكرة الصبار، حكايا ثلاث قرى فلسطينية» لحنا مصلح. وكذلك الأمر مع فيلم «سامية» للسوري عمار البيك حيث المساحة مفرودة لذكريات أم فلسطينية. وفي السياق عينه، يندرج فيلم السوري عبد اللطيف عبد الحميد «أيام الضجر» على تخوم الجبهة السورية الإسرائيلية.
تمتد المواضيع الساخنة لتشمل معظم الأفلام المشاركة في مسابقة المهر سواء الروائية أو الوثائقية، فالعراق يحضر وثائقياً عبر فيلم مميز للعراقي قاسم عبد بعنوان «حياة ما بعد السقوط»، و«عدسات مفتوحة في العراق» لميسون باجه جي، ويظهر عدوان تموز من خلال فيلم «بدي شوف» للثنائي اللبناني جوانا حاجي توما وخليل جريج، و«بعد الحرب... الحرب دائماً» الذي صوّره السينمائي المصري/ الفرنسي سمير عبد الله في بيروت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، ويدور جزء منه في مكاتب جريدتنا «الأخبار» التي كان سمير عبد الله آنذاك شاهداً على اللحظات الأولى لولادتها.
المهرجان الذي يستمرّ حتى 19 الجاري، افتُتح بشريط «دبليو» بحضور مخرجه أوليفر ستون. وقد جاء الفيلم بمثابة هجائية للرئيس جورج بوش وهو في طريقه لمغادرة البيت الأبيض، مركّزاً على الغباء والسذاجة اللذين أدار بهما بلاده والعالم. إلا أنّ الفيلم يشير أيضاً إلى أنّ القرارات الخرقاء التي اتُّخذت في عهد بوش، لم يكن له دور كبير فيها، اللهم سوى الموافقة على ما يصوغه المحيطون به،. ولعلّ الفيلم في جانب منه يقع في مطب التعاطف مع بوش أو مع غبائه، وتحديداً في جزئه الأخير... عندما يكتشف بوش بأنّ كل من حوله يخدعونه! أما عرض «دبليو» في افتتاح «مهرجان دبي» تحديداً، فيصفه مسعود أمر الله، الناقد السينمائي الذي يمسك بمقاليد البرمجة، بالاختيار الدقيق «في مرحلة تغييرية، مع الأخذ في الاعتبار مدى تأثر منطقتنا العربية سياسياً واقتصادياً بفترة حكم بوش في السنوات الثماني الأخيرة».
إلى جانب مسابقة المهر العربي، أطلقت هذا العام مسابقة «المهر الآسيوي الأفريقي» ممهدةً الطريق لجغرافية جديدة للمهرجان، تطمح إلى استقطاب الإنتاجات في القارتين، وبمشاركة 15 فيلماً روائياً طويلاً هذا العام، مع أفلام وثائقية وأخرى قصيرة جاءت من الصين وتركيا وجنوب أفريقيا وباكستان وأفغانستان وغيرها. كما دخل «مهرجان دبي» في شراكة استراتيجية مع الاتحاد الدولي لنقّاد السينما «فيبرسكي»، لإطلاق «جائزة النقاد الدولية» التي تُمنح سنوياً لأفضل فيلم روائي طويل في مسابقة «المهر العربي».
وتركز الدورة الخامسة في عروضها العالمية على السينما الإيطالية من خلال برنامج «إيطاليا في دائرة الضوء» الذي يواكب أحدث الإنتاجات، وعلى رأسها فيلم «غومورا» المثير للجدل، و«ايل ديفو». هناك أفلام عالمية كثيرة تحملها برامج أخرى مثل «سينما العالم»، و«الجسر الثقافي» الذي يقدّم جردةً سينمائيةً لما عرض في «مهرجان كان» وغيره من التظاهرات السينمائيّة البارزة.

دورة نوعيّة: بين السياسة والتاريخ والواقع الصعبويرأس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة في مسابقة «المهر العربي» المخرج الروسي سيرجي بودروف، بعضوية كل من الكاتب والمخرج المغربي أحمد المعنوني، والممثلة المصرية لبلبة، والروائية والناشطة أهداف سويف صاحبة رواية «خريطة الحب». ويكرّم المهرجان كلاً من المخرج الجزائري الفرنسي رشيد بو شارب، صاحب فيلم «بلديون» والمخرجين تسوي هارك وتيري غليام.
ومن الناحية التجارية، استحدث المهرجان «سوق دبي السينمائي» الذي يعرض أكثر من 200 فيلم خاص بالمنتجين والموزعين وأصحاب المحطات التلفزيونية، كما يقدم كتاباً متخصصاً بصناعة السينما بالتعاون مع مهرجان «كان» وبنسخة عربية، وكتاباً يحتفي بالعصر الذهبي للسينما المصرية، مع قرص رقمي يحتوي 8 أفلام إماراتية قصيرة عُرضت في الدورات السابقة. «مهرجان دبي» هذا العام متأثر بتوقيته الذي يأتي بعد عطلة طويلة في الإمارات، وفي نهاية عام حافل بمهرجانات سينمائية كثيرة سبقته إلى أفلام كان يستأثر بها في الدورات السابقة، ولعل أقربها إليه «مهرجان أبوظبي السينمائي». هكذا، كان عدد كبير من الأفلام المشاركة في «دبي» قد عُرض في أكثر من مهرجان، من دون أن يمنعه ذلك نحو المضيّ إلى تبلور هويته.