على رغم أزمة «الحشيشة»

لم يكن يحتاج إلى قضيةٍ أو «فضيحة» ليعودَ مجدداً إلى الأضواء: منذ ذيوع شهرته، تحوَّل إلى ركنٍ ثابت في الإعلام، وربما في الأبحاث والدراسات. وها هو شعبولا يصبحُ اليوم ضمير الشارع، حتى لو تصاعد... الدخان الأزرق!

محمد خير
أيَّاً كانت ملابسات واقعة «حشيشة» شعبان عبد الرحيم (راجع الكادر)، فهي لن تنال منه لدى جمهورِه، حتى في مجتمع قد يرى في تدخين الحشيشة خطأً أو مخالفة قانونية، لكن من دون إدانة أخلاقية صارمة. وأياً كانت الصورة الذهنية التي يحيل عليها شعبولا، سواء كانت أعراس العشوائيات، أو ثقافة الميكروباص، أو مجتمع الآلاتية، فإنّ الدخان الأزرق يعدّ جزءاً لا يتجزأ من هذه الصورة أو تلك.
هي واقعة لن تضرَّ ـ إذاً ـ بالمغني الشعبي الأشهر في السنوات العشر الأخيرة. بل قد تكون واحدةً من مصادفات لا تتوقف الحياة عن منحها لمغني «بكره اسرائيل». ما يجعله في دائرة الضوء باستمرار.
ثمَّة أمران مؤكدان: الأول، أنّ شعبان ـ منذ ذيوع شهرته ـ لم يتوقف عن متابعة كل جديد من أجل البقاء في كادر الإعلام. أما الثاني، فإنَّ أحداً لم يتوقع أن تستمرَّ الظاهرة الشعبانية كل تلك السنوات، حتى تحوَّل صاحبُهَا إلى ركن ثابت في كمّ هائل من قنوات الميديا، مكتوبة ومسموعة ومرئية، بل في أبحاث ودراسات و«نظريات»... كلُّها وجدت فيه معبِّراً عن صوت الشارع العربي أو المصري البسيط.
لم يتوقع أحدٌ كل ذلك، والغريب أنّ لفظة «أحد» هنا تشمل المتفائلين والمتشائمين على حد سواء. وإلى الصنف الأخير، ينتمي أولئك الذين يخشون أن يكون شعبولا قد أصبح فعلاً «صوت الجماهير».
لا شكَّ في أنّ مثل تلك «القضايا» لا تشغل كثيراً شعبان الذي بدأت شهرته قبل سنوات طويلة من أغنيته الأشهر «بكره اسرائيل». هو قاسم عبد الرحيم حسن الذي تحوّل اسمه إلى شعبان عبد الرحيم بالاتفاق مع المنتج سيد عبد اللطيف. المنتج الشعبي الذي جاء من عالم بيع الصحف، حاز بدوره عدداً من أسماء الشهرة، أبرزها «عبد اللطيف سوبر» و«منتج بولاق الدكرور» (حيّ شعبي في الجيزة يطلق عليه الصين الشعبية من فرط ازدحامه). أيَّاً كان، فقد كان قاسم أو شعبان أوّل «إنتاج» لعبد اللطيف. علماً بأنه ليس إنتاجاً بالمعنى المتعارف عليه اليوم، بل عملية متواضعة على مستوى التسجيل والتنفيذ وخام الألبوم (الشريط). إذ جرت العادة على بيع تلك الأشكال الغنائية بأسعار أقلّ من تلك التي تميّز أسعار النجوم الكبار، ويكفي أنّ أجر «شعبولا» عن ألبومه الأول لم يزدْ عن 500 جنيه فقط.
ولم يكن ذلك الزمن بعيداً جداً: نهاية الثمانينيات كانت زمن «ظهور» شعبان بأغنية «أحمد حلمي اتجوز عايدة». وهي ذاتها عنوان ألبومه الأول. أحمد حلمي كان كاتباً صحافياً في أوائل القرن العشرين، وهو جدّ الشاعر صلاح جاهين. لكنه كان بالنسبة إلى الأغنية ـ وجمهورها ـ مجرّد اسم محطة شهيرة لسيارات الأجرة، نُسجت منها كلمات الأغنية مع أسماء شوارع وميادين أخرى. وتضاعف أجر شعبان في الألبوم التالي الذي حمل اسماً أغرب من سابقه، ألا وهو «كداب يا خيشة». وهي أغنية يطالب فيها صديقه خيشة بمراعاة الأصول، “خليك رجولة مع دول ودول”. في الألبوم نفسه، يرد على انتقادات طالته بصفته يعمل «مكوجي»، فيتغنّى بكلمات يفصح فيها عن مهن زملائه من المطربين الشعبيين، قائلاً: «حسن الأسمر كان نقّاش، التُرَبي خَد عربون ولا جاش»... إضافة إلى أغنيات أخرى تتناول موضوعات مختلفة جداً، مثل أغنية «علّي جرى» (نسخة شعبولا) التي تتحدث عن قتل الأزواج على يد زوجاتهم. وهي الحوادث التي تناولها الإعلام بكثافة في تلك الفترة بداية التسعينيات، ما يوضح أنّ اهتمامه بالإعلام كان مبكراً جداً.
تدريجاً، ومع منتصف التسعينيات، يختفي شعبان عبد الرحيم تماماً كأنّه لم يكن، قبل أن يعود من جديد مع «بكره اسرائيل». وهي من كلمات إسلام خليل، مدرِّس اللغة العربية. وهو لا يعدّ «شاعر شعبان الخصوصي» كما هو مُشَاع. إذ كتب لمطربين شعبيين كثيرين، منهم حمدي باتشان. لكنّه لم يعرف النجاح سوى مع شعبولا. وقد استمر معه بصحبة المنتج الجديد علاء وهبة، وهو نجل الملحن وهبة الشاذلي الذي لحَّن أغنيات شعبان الأولى. وشاءت الظروف أن يرحل عمرو موسى عن وزارة الخارجية بعدما تغنى «شعبولا» باسمه، ما بدأ بصناعة «أسطورة» شعبان كضمير للشارع! وأمسك المغني الذكي بالخيط (وقد برز ذكاؤه خصوصاً في فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» لداوود عبد السيد/ 2001)، واستطاع دائماً أن يبدو في مظهر الغاضب غير الراضي عن الحال العربية. لكنّه أحياناً يقدِّمُ أغنية تلطّف الأجواء، حتى إنّ إحداها كانت لتهنئة الرئيس مبارك بعيد ميلاده! ومع الوقت، استمرَّ في ترسيخ صورة ابن البلد البسيط، حدّ السذاجة. أما في ما يخص الموسيقى، فيبدو مدهشاً ـ ومؤسفاً ـ أن يضع بعضهم «شعبولا» في سياق فنانين شعبيين قدموا تجارب شديدة الغنى مثل أحمد عدوية ومحمود شكوكو، وتلك هي الخسارة الحقيقية.


على السمع

تستاهل ألف جزمة!



لم تنتهِ تداعيات دخول شعبولا المستشفى بعد إصابته بغيبوبة نتيجة «تناوله كمية كبيرة من الحشيشة» كما أكدت المصادر الطبية. وآخرها الأغنية التي أطلقها ويتهّم فيها الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما بتلفيق هذه الاتهامات ضدّه. وتقول الأغنية (كلمات إسلام خليل): خلاص بقيت كويس، وبحمد ربنا، وبشكر كل واحد.. جه لحد عندنا، قالوا خد حتة حشيشة، وقالوا كتير حكايات، والنعمة ما خدت حاجة، وكل دي إشاعات، سألوني في مين تشك، علشان عايزين دليل، أنا قلت يمكن أوباما، أو حد في إسرائيل، ده مقلب بس ساقع، من حتة واد عبيط، يا إما مطرب واقع، عايز يبقالو سيط. وأكد عبد الرحيم أنه سيقدّم هذه الأغنية قبل بداية عام 2008.
من جهة أخرى، أكد خليل أنه فور شفاء شعبولا نهائياً، سيؤدي أغنية للتضامن مع الصحافي العراقي منتظر الزيدي. وكان خليل قد صرّح لقناة «الحياة» الفضائية أنّه كتب الأغنية فور مشاهدته منظر الحذاءين. وتقول القصيدة «يا بوش يا ابن الَّذِين، تستاهل ألف جزمة، على انت عملتو فينا، واجه اليوم يا واطي، ووشك اتفضح، وشافوك الناس مطاطي، من جزمتين شبح، الجزمة كانت مفاجأة، كمان زي الزيارة، والدنيا بحالها فرحت، والناس كانت سهارة... صدام اللي دبحته في أول يوم العيد، أهو ربك خد بتاره وفي نفس المواعيد، تحية عشان منتظر وتحية لجزمته، فرحنا في بوش أخيراً، على آخر خدمته... في ناس كتير بسببك، في الدنيا متبهدلة، بتقول يا ريتها كانت صاروخ أو قنبلة...»
وكان عبد الرحيم قد دخل أخيراً مستشفى «الهرم» في القاهرة بعد إصابته بحالة إعياء شديدة نتيجة هبوط في الدم. ورغم ما أكّده الأطباء من أنّ شعبولا تناول كمية مفرطة من المخدّر، إلا أنّه فور خروجه من المستشفى واستدعاء النيابة العامة له للتحقيق معه، نفى المطرب الشعبي كل الاتّهامات التي سيقت ضدّه. وأكّد أنه لم يتناول أي نوع من أنواع المخدّر مبرّراً دخوله المستشفى بإصابته بأزمة صدرية.