زياد عبد اللهوها نحن الآن أمام دارينا التي تتدرب على قراءة نص كتبته بالفرنسية. تُخطئ في لفظ كلمة فتصحّحها بعصبية، وتواصل سرد ما عاشته الذي سيطول حتى يصبح ما يشبه المسرحية أو «المونودراما» التي تؤديها في مواصلة لسرد حياتها. إنّها امرأة، كل ما ارتكبته هو الحرية، وعشقها لجسدها ورغبتها بالتعرّي. لكنّ زوج أختها سيكون لها بالمرصاد وستتعرّض لضرب مبرح وتستيقظ من غيبوبتها، فإذا بها في مصحّ للمجانين: تلك هي قصة دارينا ـــ كما تحوكها ـــ مع جسدها وحريتها واصطدام رغباتها بالذكورة، ومجتمع يَعُدّ الحرية عهراً.
فيلم «هيه... لا تنسي الكمون» مسكون بهواجس تمضي والألم يداً بيد. إضافة إلى حتمل، نتعرف إلى مصير الكاتبة البريطانيّة سارة كاين التي انتحرت في ريعان الشباب، وتجدها العبدالله على تماس مع حتمل. إنّها مصائر اكتملت افتراضاً بالموت، لكنّها ما زالت تطالب بحريتها، بحرية الجميع. ولعل انتقال الخاتم إلى دارينا يرمز إلى هذا الصراع المرير واستمراريته... «لينظفوا أنفسهم. وضعوا كل أوساخهم عليّ» تقول دارينا. إنّها الحرية المجاورة للجنون في مجتمعاتنا التي تجدها العبدالله أيضاً في «مورستان» (مصحّ مجانين) في حلب يعود إلى القرن الثاني عشر حين كان الجنون يعالج بالموسيقى والضوء.
سواد كثير سيعتري من يُشاهد فيلم هالة العبدالله: حزن عارم على مصير كل مَن يتوق للمغاير، إنّه مواصلة لغوصها في أعماق الهوامش والمنافي والسجون... الثالوث الذي يترصد كل إبداع حُرّ في عالمنا العربي.