الجزائر ــ عدلان مديلم تختلف الدورة الـ13 من «المعرض الدولي للكتاب» في الجزائر عن سابقاتها. فقد اجتهدت لجنة التنظيم الرسمية في مصادرة نحو 150 عنواناً قبل افتتاحه، فارضةً رقابة متواصلة توفرها دوريات موظفي وزارتي الثقافة والشؤون الدينية. وتقاطعت هذه العمليات القمعية مع ثقل بيروقراطيّة الجمارك وذوبان مراكز المسؤولية، ما جعل الناشرين، العرب والأوروبيين، رهائنَ آلة قمعية لا ترحم. بل ذهب العديد من الناشرين إلى العدول عن المشاركة العام المقبل. «لن نشارك في الدورة المقبلة» تقول مندوبة الجمعية «ناشرون بلا حدود» التي تمثل 20 دار نشر فرنسية، وتضيف: «من دون إنذار، وفي اللحظة الأخيرة، منعت سلطات المعرض 30 عنواناً من دون أية حجة». فما هي هذه العناوين المهدّدة لأمن الجزائر واستقرارها؟ نذكر على سبيل المثال سلسلة «البحوث» الفرنسية في السوسيولوجيا، «من هم البرابرة؟» للفيلسوف التونسي يوسف صديق، الذي كان من ضيوف شرف المعرض الذي يُختتم غداً. وهناك كتاب آخرون صودرت مؤلفاتهم: بوعلام صنصال، سليم باشي، محمد قاسمي، صالح شكيرو، جان بيليغ ري، موريس أتيا. وكما كان منتظراً... أدونيس. فقبيل افتتاح المعرض أقيل أمين الزاوي مدير المكتبة الوطنية بعد الهجمة التي تعرض لها بعد محاضرة أدونيس في هذه الهيئة. وحسب مصادر مطلعة، فإن وزيرة الثقافة خليدة تومي أنهت مهام المدير العام للمكتبة الوطنية بناءً على شكوى رفعتها «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تتّهم فيها أدونيس بـ«التطاول على أرض الشهداء بإهانة الإسلام» (راجع المقال في الصفحة الـ19). وتزامنت هذه القضية مع منع طبع كتاب المدير السابق لجريدة «لو ماتان» محمد بن شيكو بقرار من وزيرة الثقافة. وقد منع كتاب سابق لبن شيكو في معرض الكتاب العام الماضي. «سوف تستعمل السلطة كل الوسائل بيدها»، يحذّر الكاتب سليم باشي.
وفي رسالة إلى الرئيس بوتفليقة، دعت 45 شخصية ثقافية إلى «التدخل استدراكاً للوضع ورفعاً للضرر بوقفة غايتها المثلى بناء جزائر للجميع، قوامها الروح والعقل وآلتها المؤسسات الديموقراطية الحديثة». وتحدثت الرسالة التي نشرتها جريدة «الخبر» عن «بلوغ التراجعات الفكرية حدّاً مخيفاً، انحسرت معه مساحات الرأي إلى مستوى يؤسف له، ما يهدد يومياً تحت طائلة الإقصاء والتعسف في السلطة، حرياتنا الفردية وحقنا في الاختلاف والتنوع المكرسين ديناً ودستوراً». «الآن وقد أعلن بوتفليقة تعديل الدستور، وضمنياً عن عهدة رئاسية ثالثة تثبت سلطويته، فإنّه آن الأوان لأن أرفع يدي عن الكتابة» يقول كاتب صحافي، مضيفاً: «فبوادر تفاقم قمع الحريات تنكشف يوماً بعد آخر».