بين مئات الناشرين المصريين، لم يأت إلى بيروت سوى «مدبولي» و«ملامح». الآخرون يشاركون عبر وكلائهم، ويفضّلون الذهاب إلى «معرض الكويت» الذي يدرّ عليهم قدراً أكبر من الأرباح
القاهرة ــــ محمد شعير
حسب معلوماتنا، فإن أبرز دور النشر المصريّة لن تذهب إلى بيروت. السبب الرسمي الذي سمعناه، هو أن إدارة «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» لم توجّه الدعوة إلا لقلّة من الناشرين، ولم يلبّ الدعوة سوى «مكتبة مدبولي» الحريصة على المشاركة سنوياً، ومكتبة «ملامح» التي تأسّست منذ عامين تقريباً تحت شعار «على إسفلت الشارع تصنع الثقافة المغايرة». وقد أكّدت دور أخرى أنّها لم تتلقّ أية دعوة من بيروت، فيما يبدو أن لهذا الغياب عن بيروت أسباباً غير معلنة أيضاً: في زحمة المعارض العربيّة يجد الناشر نفسه معلّقاً بين أكثر من خيار، ويفضّل أن يستثمر في المشاركة التي تدرّ عليه الربح الأكبر... أما بيروت، فيكتفي بإرسال أهم عناوينه إليها عبر وكلائه هناك من الدور اللبنانيّة.
بعض الناشرين المصريّين أعلنوا صراحةً صرف النظر عن المعرض اللبناني، مفضّلين الذهاب إلى «الكويت» حيث يقام معرض الكتاب في التزامن مع بيروت تقريباً. «الإقبال على الكتاب المصري يزداد هناك»، يقول مدير دار «أطلس» عادل المصري. وقد فضل الناشر محمد رشاد، مدير «الدار المصرية اللبنانية» أيضاً عدم المشاركة، لوجود فرع لداره في بيروت. وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، إذ إنّ لديها فرعاً في بيروت منذ 30 عاماًً. لكنّ الإقبال على كتب الهيئة ضعيف، كما أكّد لنا أحد مسؤولي الهيئة، لأنّ نوعية الورق الذي تستخدمه الهيئة، وشكل الكتاب وإخراجه عناصر تُعدّ ضعيفة مقارنة بما يقوم به الناشرون اللبنانيون. ويلفت كثيرون نظرنا إلى أنّ السوق اللبنانية هي «سوق موزِّعة للكتاب أكثر منها سوقاً متلقيةً له».
دار «ملامح» بدأت تقريباً النشر منذ عامين، ومعرض بيروت أول معرض تشارك فيه الدار خارج مصر، كما قال لنا مؤسّس الدار محمد الشرقاوي الذي أضاف: «اخترنا المشاركة في المعرض لنحاول أن نستكشف بأنفسنا إمكانات السوق اللبنانية، حيث نشرنا في الدفعة الجديدة كتابين من لبنان: الأول للشاعر فادي العبدالله (يؤلفان الافتتان) الذي نتعاون فيه مع منشورات xo اللبنانية الشابة، والكتاب الثاني هو رواية «ما رواه النوم» باكورة هلال شومان (التوقيع: 6/ 12).
الاهتمام بالأعمال المترجمة والانفتاح على كتابات العالم العربي كان هدفاً لـ«ملامح» عندما تأسّست، لأن سوق الكتاب المصرية ـــ كما يقول الشرقاوي ـــ تحتاج إلى «التنوع والتجديد من أجل جذب القارئ، في محاولة لتحقيق هذا الهدف والاهتمام بنشر الإبداعات العربية وتوفيرها في السوق المصرية. وحتى الآن، نشرت الدار مجموعة كبيرة من الشباب العرب، بداية من مريم السعدي (الإمارات)، منال الشيخ وعبير عبد الغفور (العراق)، وهلال شومان (لبنان).
لكن هل تسعى الدار إلى منافسة دور النشر اللبنانية بالنشر لكتّاب لبنانيين؟ يجيب الشرقاوي: «لا نسعى إلى التنافس مع صنّاع الكتاب اللبناني، بقدر ما نسعى إلى التعاون والاستفادة من خبرتهم. بيروت مركز مهم ومؤثر في صناعة الكتاب العربي، ومشاركتنا في هذا المعرض تهدف إلى التعرف بآليات عمل السوق اللبنانية والتعاون مع دور النشر ذات التوجه المشابه لتوجه «ملامح»، من حيث الاهتمام بالكتابة الجديدة وكتابات الشباب، والثقافة البصرية. لهذا، نجحنا في إنجاز اتفاق تعاون بين دار «ملامح» وهيئة تحرير مجلة «السمندل» لطباعة «السمندل» في القاهرة، كي تتوافر أعمالها للقارئ المصري مع صدورها في بيروت... وذلك لاهتمامنا بنشر الثقافة البصرية وفن «الكوميكس» والغرافيك والـ«نوفل»». وتجدر الإشارة إلى أن حضور «ملامح» في لبنان لن يقتصر على المعرض، إذ اتفقت الدار مع «مكتبة بيسان» كي تعرض جميع إصداراتها في بيروت، في محاولة لفتح أفق جديد لتوزيع الكتاب المصري... إلى جانب توافر العناوين على موقع «النيل والفرات» المتخصص في بيع الكتاب».
مكتبة «مدبولي» ضيف دائم على معرض بيروت، حسبما يقول عبد الفتاح مدبولي الذي يدير المكتبة الآن: «لأن السوق اللبنانية مهمّة لشراء الكتاب، لا لتوزيعه. أحياناً كثيرة نحقق نسبة مبيعات لا بأس بها، لكنّ مشاركتنا بالأساس تهدف إلى إبرام اتفاقات مع دور النشر اللبنانية لتوزيع كتبها في القاهرة، ليس فقط الحصول على أعمال الكتاب اللبنانيّين، بل المصريين أيضاً، إذ إنّ معظم الكتّاب المصريين يصدرون أعمالهم فى طبعات فاخرة في بيروت مثل سمير أمين، زغلول النجار وغيرهما». وبالنسبة إلى منشورات «مدبولي»، فإنّ السوق اللبنانية والسوق الخليجية في منزلة واحدة تقريباً في التوزيع. لكن في ما يخصّ حجم التبادل الثقافي، لا مجال للمقارنة، لأنّ الناشر اللبناني «يقدّم كل يوم جديداً، وهذا لا يتوافر في أيّ من البلدان العربية الأخرى، بما فيها مصر».
سبب آخر يجعل «مدبولي» يفضّل معرض بيروت على معارض الخليج: «في معرض الكويت مثلاً، كل شيء ممنوع إلا كتب الأطفال والطهو، وأنا كناشر، لا أصدر هذا النوع من الكتب». هل هذا يعني أنّه لا رقابة في لبنان على الكتب؟ أجاب: «هناك رقابة. إذ تطلب منّا هيئة المعرض قائمةً بما سنعرضه قبل أن نسافر، لكن أكثر من 99 في المئة من الكتب يُسمَح بها». يتذكر مدبولي الكتاب الممنوع في معرض بيروت: «طوال مشاركتنا لم يمنع سوى كتاب واحد، لا يزال أيضاً ممنوعاً وهو «مذكّرات أكرم حوراني»».
لكن هل يمكن القول إنّ هناك تنافساً بين القاهرة وبيروت على سوق النشر في العالم العربي؟ يجيب مدبولي: «لا مجال للمنافسة، لأنّ السوق اللبنانية تتجه إلى كل ما هو جديد فكرياً، أما دار «الشروق» المصرية مثلاً، فتعيد طبع أعمال قدمتها دور مصريّة أخرى، لكن في شكل أرقى... أما على مستوى المضمون، فلا جديد. وبالنسبة إلى الشكل الجمالي، فلا أظن أنّ مصر لديها القدرة على منافسة بيروت طباعياً وجمالياً، ربما لتوافر أنواع من المطابع في بيروت لا نظير لها في مصر». الناشر محمد عبد اللطيف، صاحب دار نشر «سفير» له وجهة نظر أخرى في مجال المنافسة: «لا بيروت تنافس القاهرة ولا العكس. المنافسة تكون بين الناشرين لا الدول. وهذا أمر طبيعي يصبّ دوماً في مصلحة القارئ».