بدأ دراسة البيانو في الثانية من عمره. عزف موزار في أول حفلة له وهو في العاشرة... أدى كونشرتوهات شوبان الاثنين عام 1984، فصدرا في أسطوانته الأولى... وعزف تحت قيادة كارايان قبل أن يبلغ الثامنة عشرة

بشير صفير
ما إن أعلِن عن صدور تسجيله الأخير الذي خصّ فيه ــــ دفعةً واحدة ــــ الكونشرتوهات الخمسة للبيانو والأوركسترا لبيتهوفن، حتى بات عازف البيانو الروسي الكبير يفغيني كيسين الشغل الشاغل للصحافة المتخصصة بالموسيقى الكلاسيكية في العالم وللمهتمين من الجمهور. كيسين المولود عام 1971، لا يدرج في خانة أترابه من الموسيقيين. على رغم صغر سنّه ووجهه الذي لم يخسر أياً من ملامح الطفولة، فهو يُنظر إليه كعازف مخضرم لأنه بدأ مسيرته الفنية باكراً (جداً). هكذا استحق العازف البريء لقب «الطفل المعجزة» عن جدارة، ليعيد إلى العبارة معناها الحقيقي البعيد من المغالاة. فالقول إن كيسين بدأ دراسة البيانو وهو في الثانية من عمره لا يعني أنّه جلس يضرب عشوائياً على مفاتيح الآلة، فخُيِّل إلى والدته أن طفلها باشر التأليف الموسيقي. وما يثبت حقيقة الموهبة المبكرة هو سلسلة الإنجازات التي حقّقها كيسين لاحقاً: أحيا أمسيته الموسيقية الأولى وهو في العاشرة من عمره ثم أصبح إصداره لكونشرتوهات شوبان الاثنين للبيانو، التسجيل الذي يقوم به أصغر عازف بيانو (13 سنة) في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية (وهو تسجيل جيد ينافس المتخصصين بشوبان)، قبل أن تصل أخباره إلى الأسطورة هيربرت فون كارايان ويؤدي تحت قيادته (وإلى جانب الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة برلين، وهي الأهم في العالم) الكونشرتو الأول للبيانو، رائعة تشايكوفسكي التي تخيف بصعوبتها كل العازفين، لناحية صعوبتها أولاً وشدة ضيق هامش الأداء فيها ثانياً (الأداء بالمعنى الخاص بالموسيقى الكلاسيكية، أي إضفاء اللمسة المعبِّرة دون تغيير أي نوتة).
بعد عشرات الأسطوانات، ومئات الأمسيات، ينقضّ كيسين بكامل تقنيته ورقة إحساسه، على عمل بيتهوفن الضخم، ترافقه الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة لندن بقيادة كولن دايفس، فمتى «يجرؤ» خليفة هوروفيتز وريختر على المواجهة الأصعب مع المؤلف الألماني ويكمل تسجيل السوناتات الـ32، بعد تحدٍّ خجول نتجت منه سوناتة وحيدة («ضوء القمر»)؟










أهمّ أسطواناته


يعدّ يفغيني كيسين من أغزر عازفي البيانو في عالم الموسيقى الكلاسيكية اليوم، ويملك في رصيده عشرات الألبومات التي بدأ تسجيلها منذ المراهقة. اشتهر تحديداً بميله إلى المؤلفين الروس والحقبة الرومنطيقية (تحديداً شوبان) رغم عدم تهميشه لأي من الحقب الموسيقية. أهم أسطواناته هي تلك التي حوت «لوحات معرض» للروسي موسورغسكي ومقدمات شوبان الـ24 واثنين من كونشرتوهات البيانو لرخمانينوف (الثاني والثالث) وتسجيلات متفرقة لأهم المؤلفين الروس (سكريابين، سترافينسكي، شوستاكوفيتش،...)، إضافةً إلى تسجيل استثنائي للكونشرتو الوحيد لشومان (في تسجيل ثانٍ له لأنه لم يكن راضياً عن الأول) صدر في أسطوانة جمعته بالكونشرتو الرقم 24 لموزار. وتخطى كيسين الجميع في تسجيل «تنويعات على موضوعة لباغانيني» لبرامز.




تجرأ على الكونشرتو الأول للبيانو، رائعة تشايكوفسكي التي تخيف كل العازفين




من سينافِس؟


مثّلت الكونشرتوهات الخمسة للبيانو والأوركسترا لبيتهوفن (1770 ــــ 1827) تحدياً جميلاً لكل عازفي البيانو الجديّين في العالم. قلّما نجد اسماً كبيراً لم يسجّلها كاملةً (أو على الأقل واحداً منها أو أكثر). بين عشرات التسجيلات، برزت خلال العقود الأخيرة تسجيلات قليلة ارتقت إلى ما أراده فعلاً بيتهوفن، بعدما تعمّق موقِّعوها بالمؤلف الألماني وروائعه. هذه التسجيلات (ونقصد التسجيلات الكاملة) التي سينافسها كيسين في إصداره الجديد، يمكن اختصارها بالتي حققت إجماعاً لم يخترقه أي انتقاد: على رأس الهرم يتربّع مرتاحاً العازف الألماني الخبير فيلهلم كامبف وإلى جانبه الروسي إميل غيللز ويليهما من الجيل المعاصر الإيطالي ماوريتزيو بولّيني والفرنسي فرانسوا رونيه دوشابل الذي قدم تسجيلاً رائعاً لم يأخذ حقه.