تاتيانا بريماك ـ خوري هي، بلا شك، عازفة البيانو الأكثر نشاطاً والأغزر إنتاجاً في لبنان، على مستوى الموسيقى الكلاسيكية. وها هي تعيد صياغة موزار وبيتهوفن وبرامز، في أسطوانتها الجديدة التي تصل قريباً إلى بيروت
بشير صفير
صدرت في الولايات المتحدة أخيراً ويُنتظر وصولها إلى السوق اللبنانية قريباً. إنها الأسطوانة الجديدة لعازفة البيانو اللبنانية من أصل أوكراني تاتيانا بريماك ــــ خوري. بعد باخ وشوبان ومؤلفين أوكرانيين مغمورين، تؤدي تاتيانا التي ترتدي دوماً فستاناً أسود خلال حفلاتها، أعمالاً سمعناها منها في حفلات حيّة لموزار وبرامز وبيتهوفن الذي سبق أن خصّته بأسطوانة مزدوجة. من عند المؤلف النمساوي، اختارت سوناتة البيانو رقم 8 (مصنَّف 310)، وهي أحد أجمل أعمال البيانو في ريبرتوار موزار. تكمن أهمية هذه السوناتة في اختيار إيقاع حركتها الأولى (بمعنى السرعة والدينامية). ليس هناك إيقاعٌ صائب (وبالتالي صحيح). إذ إنّ اختيار أي إيقاع سيمثّل مكسباً للعازف من جهة، وخسارة من جهة أخرى. اختارت تاتيانا في هذه السوناتة الإيقاع الذي اختاره معظم العازفين الذين أدوا هذا العمل، وهو ذاك الذي يحقق المكسب الأكبر للعازف (وهو الأكثر احتراماً لما كتبه موزار في الأصل). رضخت هنا تاتيانا للفخ الذي نصبه موزار ووقع فيه الجميع باستثناء الكندي غلان غولد. وقد نال عقاب النقّاد على اختياره الفريد في التاريخ، القائم على مضاعفة سرعة الإيقاع الأصلي. لموزار أيضاً تؤدي تاتيانا الفانتازيا «مصنَّف 397»، وهنا يجب التوقف بمقدرة العازفة على تظهير حالات موزار النفسية التي يعكس عريَها هذا العمل. أما في بيتهوفن وسوناتته رقم 17 «العاصفة» فقد دفعت تاتيانا بحدود التعبير إلى أقصى حدودها، ما يجعل الأداء الاستثنائي يلفت العارفين بمعظم تسجيلات هذا العمل، ولكن ليس لوقت طويل عند الجميع. فبعضهم يفضّل الأحاسيس المخفية عن قصد في هذا العمل المشبَّع بحالة الاكتئاب التي كان يعيشها المؤلف عند تأليفه. وفي الأسطوانة عملٌ لآخر الرومنطيقيين يوهانس برامز، المصنَّف 116، الذي يضم 7 مقطوعات، أدتها تاتيانا بأسلوب يؤكد إيجادها السرّ الذي يعطي التوازن المطلوب في أداء هذا العمل. والتسجيل سينافس من دون شك أهم التسجيلات العالمية (أنجحها تسجيل الروسي إميل غيللز).


«عاصفة» بيتهوفن

إنها السوناتة رقم 17 من سوناتات بيتهوفن الـ 32 لآلة البيانو. بحسب أنطون شيندلر ـ صديق بيتهوفن وكاتب سيرة حياته ـ لم يُعنوِن المؤلف الألماني هذه السوناتة، لكنه نصح بقراءة «العاصفة» العمل الأدبي الشهير لشكسبير، بهدف فهم هذا العمل. كتب بيتهوفن «العاصفة» عام 1802، خلال إقامته الوجيزة في قرية هايليغنشتات، حيث كان يرتاح بطلب من طبيبه الذي نصحه بفترة صفاء تساعده على تخطي أزمته النفسية التي ضربته عند إحساسه بشكل أكيد بأنه سيفقد سمعه بالكامل. ويعكس هذا العمل الحالة النفسية الصعبة التي دفعت بيتهوفن إلى كتابة عمل من نوع آخر في الفترة نفسها، «وصية هاليغنشتات»، بعدما قرر الانتحار. لم يقْدِم بيتهوفن على وضع حدٍّ لحياته، لكنّه تابع تأليف أعمال لم يسمع أجملها، حتى وفاته عام 1827.


أفضل تسجيلاتها

إن سوناتات البيانو لبيتهوفن هي من الأعمال الأكثر تسجيلاً في التاريخ. وأكثر هذه السوناتات جاذبية هي تلك التي تحمل عناوين «آباسيوناتا»، «ضوء القمر»، «باتيتيك»، «باستورال».... «العاصفة»، أو السوناتة رقم 17، قام بتسجيلها معظم كبار عازفي البيانو. قلة منهم التقطت أسرار هذا العمل الجميل، المليء بخبايا محمّلة بإمكانات التعبير المفتوحة على أكثر من احتمال. منهم من كان أداؤه مميزاً، ومنهم من قدّم جديداً لم يكن قد اكتُشِف قبله. لكن «المرجع» النهائي يبقى التسجيل الثاني لفيلهلم كامبف (في الستينيات) والمدرج ضمن التسجيل الكامل لسوناتات بيتهوفن. كما قام ألفريد براندل (وكثيرون غيره) بتسجيلات مهمة للـ «عاصفة». في عام 2003، فاجأت الفرنسية الشابة إيلين غريمو الجمهور بتسجيل استثنائي لرائعة بيتهوفن، حاز إجماع النقاد في العالم.