حملةٌ ضدّ أولمبياد بكين 2008صباح أيوب
ما إن أُعلن عن استضافة الصين الألعاب الأولمبية (8 آب/ أغسطس 2008)، حتى فتح الإعلام العالمي نار جهنّم على العملاق الاقتصادي الوافد حديثاً إلى الساحة الدولية. وقَع التنين الأصفر إذاً في شِباك حملة سياسية ـــ إعلامية منظمة، تقودها دول كبرى، بينها أميركا وفرنسا... وهو لا يزال يتخبّط، محاولاً إظهار الصورة المشرقة عن جمهوريته ومجتمعه، بهدف إثبات جدارته لاستضافة هذا الحدث العالمي الذي سيحجز له مقعداً في صفّ «الدول المتحضّرة».
والأولمبياد لم يكن يوماً رمزاً رياضياً فحسب، بل حمل دائماً رسائل سياسية بين قوى المجتمع الدولي. لذا، تأتي أهمية الحدث هذا العام بحجم الدولة المضيفة التي باتت توصف بعملاق الاقتصاد العالمي (رابع دولة من ناحية الناتج المحلي الإجمالي). وقد أدركت الصين أهمية أن تجمع دول العالم على أراضيها، فقبلت التحدي وأعلنت نيّتها تحسين وضع الحريات فيها، للفوز بهذه التظاهرة الدولية الكبيرة.
ولأن للصين أعداءً كثراً، فقد استغلّوا «فرصة» الألعاب الأولمبية، لإظهار كل مساوئ بلاد ماو تسي تونغ، وإخراج عيوبه إلى الواجهة. وبالطبع، ليس هناك أفضل من الإعلام لخوض معركة بهذه الشراسة!
هكذا، استرجعت الولايات المتحدة الأميركية أيام الحرب الباردة، فنبشت العدّة القديمة وباشرت بتسديد السهام من منصّاتها الإعلامية. وإذا بالصحف اليومية والأسبوعية والفضائيات والمدوّنات والمراصد الإلكترونية «المدافعة عن حقوق الإنسان»، تتحوّل متاريسَ لشنّ الحملات المستمرّة بنجاح.
ومنذ بداية السنة، لم تكد تخلو أي صحيفة أميركية من تحقيق أو تعليق يتناول «وضع الحريات المتأزم في الصين» و«تراجع مستوى حقوق الإنسان فيها» و«تردّي الأحوال المعيشية في معقل الشيوعية» و«سوء الأوضاع البيئية» و«مشاركة الصين في مجازر دارفور». إذ أفردت الصحف مساحات، وحتى مانشيتات، تبرز «الوجه الآخر للصين». كما تولّت cnn الإضاءة على الفوارق الاجتماعية في البلد، فتوجّهت بقوافل من الكاميرات والمراسلين إلى أقاصي قرى الريف الصيني لتبيّن الفقر المستشري هناك! وعلى رغم أحقّية بعض تلك القضايا وواقعيتها، تبدو الحملة الإعلامية على الدولة الصينية مضخّمة ومركّزة، لدرجة أضفت على المسائل المطروحة صفةً بروباغنديّة خففت من مصداقيتها وجدّيتها.
وهذا ليس كل شيء. بعض الصحافيين عمدوا إلى قراءة التحسينات التي قامت بها الحكومة الصينية، من زرع الأشجار ونقل المصانع الكبيرة خارج العاصمة، واستبدال سائقي التاكسي العجائز بآخرين شباب ومؤهلين... على أنها «إشارات سلبية»، دفعت بالكثيرين إلى تغيير نمط حياتهم أو التخلي عن وظائفهم. فيما جاهد صحافيون آخرون للإضاءة على انسحاب رياضيين من الأولمبياد «بسبب تلوّث الهواء في الصين». غير أن الحملة لم تكتف بالشعارات، بل قررت النزول إلى الأرض. وعندما بدأت رحلة الشعلة الأولمبية مثلاً، رافقتها موجة من التظاهرات الاحتجاجية وأعمال شغب، وصفها بعضهم بـ«المدبّرة» من بعض الحكومات المحلية والمنظمات الدولية بدعم أميركي. أما سياسياً، ففضلاً عن إطلاق شائعات يومية عن عدم مشاركة بعض الرؤساء في الحدث، أحيطت قضية التيبت بمواكبة إعلامية لم يسبق لها مثيل، ووجهت أصابع الاتهام إلى الصين في ملف قديم وتاريخي أعيد فتحه عن قصد لتشويه صورة البلد المضيف للحدث. كما أبرز الإعلام الغربي أخيراًً قضية أخرى، من شأنها أن تطال سمعة الدولة الشيوعية الكبرى، ألا وهي «مشاركة الصين في تأجيج أزمة دارفور مقابل الحصول على النفط». وقد نشرت «نيويورك تايمز»، «واشنطن بوست»، «تايم»... مقالات تحمل عناوين مثل «الأولمبياد المجزرة» أو «الألعاب الأولمبية الكارثية» أو «الأولمبياد المعيب».
ولم يكن الإعلام الأوروبي بمنأى عن تلك الحملة، وإن بنبرة أخفّ. إذ حاولت الصحف الفرنسية اليومية مثلاً وبعض المحطات التلفزيونية («تي في 5» و«آرتي»)، ألا تغيب عن فتح ملفات خاصة بوضع الحريات المتردي في الصين عبر تقارير منظمات حقوق الإنسان و«مراسلون بلا حدود». كما خصصت «لو كورييه أنترناسيونال» ملفاً عن «نموذج الصين المتصدّع» قبل 6 أشهر من انطلاق الأولمبياد، مظهرة كيف أنّ الصين «لم تنفذ الشروط التي تعهّدت بها مقابل استضافة الأولمبياد». إلا أنّ لهجة الإعلام الفرنسي هدأت بعدما أعلن ساركوزي عن حضوره الأولمبياد، فباتت وسائل الإعلام تتحدّث عن وجوب «مدّ اليد للصين، لكن من دون حجب نظرنا عنها». وفي هذه الأثناء، ما زالت التحضيرات جارية في بكين «على أكمل وجه»، وقد بدأ العدّ العكسي للانطلاق.