حسين السكاففي الشكل، كما المضمون، هو الذي يشبهنا كثيراً، نحن البسطاء... هو من غاص داخل أرواحنا البسيطة ليكون صوتها كما صورتها التي تجاهلها كثيرون... ألم يكن هو من صوَّر عشق المعدم المعتوه، في «باب الحديد»؟... وهو من منح أجنحة لصوت الأرض العطشى، والفلاح الفقير في «الأرض»...
يوسف شاهين، المخرج الإشكالي المتمرد الذي حرص منذ أعماله الأولى، على أن لا يمثل الممثل، وأن لا يكون الحوار إلا بلغة الشارع وبسطاء الناس... هو الراصد لكل أمراض المجتمع ومشاكله وصرخاته وأفراحه، حتى ضحكاته المرّة وسط المأساة: «زرعنا الأرض عشر مرات، وخابت أربعين مرة»... منذ بداياته، آمن أن المبدع مشروع سجين أو منفي أو معدم، حين يكون ضمن مجتمعات ابتليت بالأمية والجوع وسلطة فاسدة. كان يعي ذلك الصراع الطويل بين المبدع وأصحاب القرار... الشاعر والصحافي والكاتب والمفكر، والفلاح المبدع كما الموسيقي والمطرب، كل تلك الشخصيات كانت أبطالاً لأفلامه، ومن أحلام هؤلاء ومآسيهم صنع مذاقها الفريد.
إنّه رائد السينما العربية الحديثة بامتياز. ضحك كثيراً على مزاعم بعض الجماعات ممن اتهمته بسذاجة فاضحة، تناوله قصة النبي يوسف في فيلمه «المهاجر». كان حريصاً على فضح ظاهرة نفي المبدع في مجتمعاتنا، معتبراً أنها بدأت منذ القدم بالنبي يوسف ولم تتوقف حتى يومنا هذا. فعودة الفيلم إلى يوسف كانت غوصاً في أرض المجاز، للتعبير عن المجتمعات المتخلفة التي دأبت على التخلص من كل فكر عقلاني أو نزعة تجديد. «رام» الذي كان يفكر بنباهة وذكاء، كان يشكل خطراً على إخوته المتّسمين بالغباء والتوحش، تماماً كما هو مبدع عصرنا الحالي الذي يشكل الخطر عينه على مواطنيه وأفراد جماعته ممن يشبهون إخوة «رام»...
الصراع مع الجماعات المتشددة لم يقف حائلاً أمام مشروع الفنان المتمرد المؤمن بالإبداع. لقد ذهب إلى عقر دار الذين كفّروه، وردّ عليهم بفيلم آخر، هو «المصير» الذي أعلن فيه موقفه الجريء إلى جانب الاجتهاد والتنوير، وضدّ ذهنيّة التكفير التي تتخذ من القتل والإرهاب منهجاً لها، وغالباً ما يكون المبدع أو المثقّف ضحيتها الأولى. صوَّر شاهين المفكّر ابن رشد، كأنه واحد منا يعيش في نهايات القرن العشرين، مأساته وحرق كتبه هي المأساة نفسها التي يعانيها المثقف والمبدع العربي في وقتنا الراهن. ستون عاماً من السينما... 60 عاماً، والإنسان البسيط يسير إلى جنب المبدع. تلك هي مسيرة شاهين الذي كان يعرف دواخلنا بدقة طالما أدهشتنا، حتى بات واحداً منا!