محمد خيرأحياناً يكون على المرء أن يدلي بشهادة مجروحة. وما يجرح شهادتي بالفنان زياد سحاب أنّني أحد شركاء تجربته المميزة، وهي تجربة اختار لها صاحبها أن تتزود بما تيسّر من أشعار كبار العامية المصرية. ما منحني فضل أن يتجاور اسمي وأسماء هؤلاء الكبار على غلاف الألبوم، وهو شرف أتمنّى أن أستحقه، لكن الأمر لم يبدأ كذلك.
بجهد وإصرار من الزميلة رنا حايك، تعرّفت إلى زياد أثناء زيارتي بيروت أول مرة في 2002. وقتها، ألقيت أشعاراً في قصر الأونيسكو في أمسية بمناسبة مرور 50 عاماً على ثورة يوليو. لكنّ زياد لم يستطع حضور الأمسية. وفي سفرة لاحقة، التقيت زياد ليلة عودتي إلى القاهرة، وكدنا نفترق على وعد ــــ مؤجل كالعادة ــــ بالعمل معاً. في تلك الليلة، تذكرت رنا كلمات قصيدة قديمة كانت قد سمعتها منّي، تركتُ الكلمات لزياد وعدت إلى القاهرة: إنها أغنية «قلبي لمَا حكى» التي تضمّنها لاحقاً ألبوم «رح نبقى نغني». وكانت الأغنية هي البداية فحسب، ثمة أغنيات كتبتُها ولحّنها زياد، وأخرى كتبتُها على ألحان ألّفها زياد مسبقاً، وأغنيات ــــ هي الغالبة ــــ صنعناها معاً أثناء سفراتي المتقطعة والقصيرة إلى بيروت. لكن ظروف العمل لم تسمح لي، حتى اليوم، بحضور أي من حفلات زياد على المسرح!
ما يلفت في موسيقى زياد أصالتها التي لا تخطئها أذن، والاستيعاب المؤكد ــــ والمرن ــــ للتراث الموسيقي الشرقي، المختلط بما يجيده الموسيقيون اللبنانيون من تلقيح أنغامهم بشذرات غربية، إيقاعاً وتوزيعاً، ما يمنح اللحن الشرقي رشاقة وخفّة تشبه نسمة بحرية تهبّ على سوق عتيقة. كما أنّ اهتمام زياد بغناء كلمات تمس قضايا الناس لم يسقطه في فخ التصوّر المتخشّب للفنان الملتزم الذي يهرب من همس الأفئدة إلى صراخ الحناجر.
«بابل» خطوة جديدة في مشوار زياد، أتمنّى فيها نجاح المغامرة التي أشاركه فيها قسطاً من المسؤولية. المسؤوليّة الجميلة التي لا تحرم الفن ذرّةً من حريته.