يفكّر جدّياً في هجر التلفزيون، والتوجّه صوب السينما والمسرح. بطل «ليلة البيبي دول»، يستعدّ لإخراج عمل مسرحي عن أبي خليل القباني، ويشارك قريباً في فيلم إيطالي ـ كويتي. ويعلن السبب الحقيقي لانسحابه من مسلسل «ناصر»خليل صويلح
عندما تسأل الفنان السوري جمال سليمان، عن موقفه من قرار نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي القاضي بمنع مشاركة أيّ ممثل عربي في أكثر من عمل مصري واحد في العام (راجع «الأخبار» عدد أمس)، يبدي تحفظاً قبل أن يعلّق. ذلك أنّ بطل «حدائق الشيطان» الذي كان أول مَن انتقل في الفترة الأخيرة إلى القاهرة، وفتح ملف حضور الفنانين العرب في الأعمال المصرية، لا يعتبر نفسه معنياً أو متضرراً من قرار النقيب زكي. لكنه في المقابل، يرى أن هذه القرارات ــ وخصوصاً تلك المتعلقة بمحاربة الوجوه الجديدة ــ لن تحلّ المشكلة أو تترك أثراً فنياً إيجابياً. ويقول إذا كان الهدف هو الارتفاع في المستوى الفني، فإن هذه القرارات لن تجدي نفعاً. لأن الخلاف ليس على جنسية عارضة الأزياء، بل على موهبة أي وجه سيدخل الساحة، سورياً كان أو مصرياً. وإذا كان الهدف منه معيشياً أو اقتصادياً، «فأنا أعرف الكثير من الفنانات المصريات والسوريات اللواتي يملكن ربع موهبة، ومع ذلك يأخذن فرص صاحبات القدرات التمثيلية العالية»...
بعيداً من النقابة المصرية، نسأل سليمان: لماذا اعتذر فجأةً عن أداء شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وما هي الملابسات الحقيقية لانسحابه من مسلسل «ناصر»: هل المشكلة في النص أم في اسم المخرج؟ يبرر النجم السوري انسحابه من المسلسل الذي كتبه يسري الجندي ويخرجه باسل الخطيب، بأنه لم يجد الزخم الدرامي الذي كان يتوقعه في شخصية استثنائية كثيراً ما كانت حلم أي ممثل بأن يؤدّيها. إذ شُغل النص في جزئه الأول باستعادة سيرة «ناصر» ما قبل ثورة تموز (يوليو) 1952، وهي فترة طويلة تخلو من أي منعطفات أو مفاجآت درامية. ويقول سليمان: «عبد الناصر بالنسبة إليّ، سيرة حلم وصعود مشروع نهضوي عربي، لم يتكرر... لقد أقبلتُ على قراءة السيناريو بحماسة، لكنني لم أجد ما أصبو إليه في هذه الشخصية. جمال عبد الناصر هو حلم ثورة يوليو 56، ولحظة إعلان الوحدة بين سوريا ومصر ومن ثم فشلها، وحرب حزيران 67، وخطاب الاستقالة، ومؤتمر القمة الأخير قبل وفاته. إضافة إلى التأميم والإصلاح الزراعي، والحماسة للناصرية، والخلاف معها. كلُّ هذه العناصر لم أجدها في النص إلا بعد الحلقة العشرين من العمل، وهو أمر عسير على أي ممثل أن يؤدي مرحلة طويلة من حياة شخصية من دون منعطفات درامية».
ويجدُ جمال سليمان الذي سبق أن جسّد شخصيات تاريخية متباينة في سلوكياتها ومصائرها، أنّ كلّاً من هذه الشخصيات ترك بصمة في روحه، وتعلّم شيئاً منه في حياته اليومية... من صلاح الدين الأيوبي، إلى طرفة بن العبد، وصقر قريش، وابن زيدون، وابن خلدون». ويضيف شارحاً: «أي شخصية تاريخية لا تحمل إشكالية في معالجتها الدرامية لا تستهويني، ولهذا السبب انسحبت من مشروع عبد الناصر». ويستدرك قائلاً: «كنت أرغبُ في تقديم هذه الشخصية حقاً، على أن يحكي العمل عن عبد الناصر بكل أخطائه ومزاياه، وصراحة لا أعتقد بوجود شخصية تاريخية منزّهة من الأخطاء».
وسليمان عاد من القاهرة إلى دمشق ليؤدّي دور «زعيم الحارة» في مسلسل «أهل الراية» مع المخرج المخضرم علاء الدين كوكش. لكن هل موافقته على أداء هذا الدور مجاراة للنجاح الذي أصابته أعمال الحارة الدمشقية في السنوات الأخيرة؟ ينفي ذلك بشدة، ويقول: «سبق أن أدّيت دوراً بيئياً في مسلسل «شام شريف» قبل سنوات. ثم إن هذا العمل يحمل في طياته لمسة إنسانية واضحة، وطروحات اجتماعية مهمة، وقضايا نبيلة تضيء على الحياة الدمشقية في نهاية القرن التاسع عشر. كما أن المسلسل الذي كتبه أحمد حامد، لا تنقصه الجرأة والحس النقدي في مقاربة حياة شخصيات واقعية تجد نفسها في مواجهة أزمات إنسانية حادة. الزعيم «أبو الحسن» إحدى هذه الشخصيات التي تجد نفسها أمام معضلة حكائية فريدة، تقوده إلى ظلم ابنته بسبب مكائد زوجة الأب. وتحت وطأة التقاليد الاجتماعية الصارمة، يضطر إلى ذبح ابنته، وفي نهاية المطاف تنتصر راية الحق على ما عداها».
وعلى رغم إيمانه بأن الدراما السورية وصلت إلى السقف لجهة الخروج من الأطر التقليدية وصناعة صورة مغايرة، تكاد تقترب من الصورة السينمائية على صعيد الشكل، إضافة إلى الاشتباك مع موضوعات جريئة... يرى أن هذا الواقع «لا ينفي ضرورة أن يحصل انقلاب في شكل العمل التلفزيوني ونياته، وذلك عبر الاستغناء عن الأعمال الطويلة والمنافسة الحادة خلال شهر رمضان: «هذه المنافسة خلقت إشكالاً في التلقي، فمن بين نحو 50 مسلسلاً سورياً يُنتج في كل عام، بالكاد نجد خمسة مسلسلات مهمة ولافتة، أما البقية، فهي للاستهلاك السريع». ولعل المشكلة تتوضح أكثر في هيمنة حفنة من «النجوم» على بطولة هذه الأعمال. ما أدى إلى تشتّت قدراتهم ومواهبهم نتيجة هذا التكرار.
هكذا، تظهر بعض الأعمال المسلوقة على عجل في غياب الكفاءات التقنية والكسل المهني وارتباط الممثل بأكثر من عمل في آن. يقول جمال محتجّاً: «لا أستطيع السكوت على خطأ في الديكور أو الأزياء، أو بناء الشخصية. المسألة لا تتعلق بالأجر والوقوف الحيادي أمام الكاميرا، ينبغي لنا أن نتعامل مع العمل بحب وجدّية». أما بخصوص أزمة النص الدرامي، وصعوبة إيجاد نص متماسك وجريء، فيؤكد سليمان أنّ «المشكلة ليست في الجرأة دائماً، بل في الصنعة الدرامية. هناك نصوص قوية فكرياً، لكنها تفتقد الحبكة الدرامية، وأحياناً يحصل العكس، ومن بين أكداس هذا الركام، عليك أن تجد النص المطلوب». ويتساءل: «لماذا لا نتخلى عن ضرورة كتابة 30 حلقة لكل مسلسل، ونلجأ إلى فلسفة جديدة في الميزانيات والإنتاج الدرامي؟».
لهذه الأسباب مجتمعة، يفكر جمال سليمان جدياً في التوجه إلى السينما والمسرح وهجر العمل التلفزيوني: «لدي رغبة كبيرة في أن أعمل في السينما والمسرح، من موقع الممثل أو المخرج. فهذا الأمر ليس مهماً، ما دمت لن أغرق في تفاصيل جانبية، لا تخص عملي، كما هو حاصل في الدراما التلفزيونية».


وقاحة الصحافة الصفراء
ا ينكر الممثل السوري الذي حقق حضوراً لافتاً في الدراما المصرية، وخصوصاً في «حدائق الشيطان»، أنه تعرّض لحروب صحافية ضارية من «بعض الأقلام الصفراء في الصحافة المصرية»، ووقاحة صناعة أكاذيب وتزييف حقائق تركت آلاماً شخصية لديه. يقول: «لكنني أدرتُ ظهري لكل ما قيل ضدي، ووجدت في حفاوة الناس العاديين في الشارع المصري، صدقاً أكبر مما وجدته لدى النخبة، على رغم كل ما نردده عن نبذ الإقليمية، وأهمية الوحدة العربية».
أخيراً، أنهى جمال سليمان دوره في الفيلم المصري «ليلة البيبي دول» مع المخرج عادل أديب، بمشاركة ليلى علوي، وسلاف فواخرجي، ومحمود عبد العزيز، ونور الشريف، ومحمود حميدة. الشريط يرصد لحظة إنسانية خاصة، سرعان ما تنفتح على قضايا ساخنة. إذ يجدُ البطل العائد من أوروبا نفسه فجأة وسط مواجهة إرهابية تطيح رغباته في قضاء ليلة ناعمة مع حبيبته. هذا الفيلم سيشارك في عروض مهرجان «كان» في دورته المقبلة، بحضور ممثليه. وفور عودة النجم السوري من المهرجان، سيتفرغ للمشاركة في مشروع فيلم إيطالي باللغة الإنكليزية (إنتاج إيطالي ــ كويتي مشترك). الفيلم فانتازيا تاريخية مستمدة من وقائع حصلت في القرن السابع عشر.
هناك أيضاً فكرة إخراج عمل مسرحي، ربما سيكون عن حياة رائد المسرح السوري أبي خليل القباني الذي نُفي إلى مصر وأحرق الظلاميون مسرحه في الحقبة العثمانية. العمل الذي كتبته دلع الرحبي، كثيراً ما حلم جمال سليمان بإخراجه: «إنّه بحق واحد من أجمل نصوص المسرح العربي، ومن أنجح تجارب مراجعة دفاتر الماضي، وفحص التجارب النهضوية العربية الأولى برؤية عميقة، تربط الظاهرة الفنية بسياقها التاريخي والسياسي والإنساني».
هذه المشاريع لم تمنع جمال سليمان من التفكير في شؤون أخرى بعيداً عن حياة الفن. ويفاجئك بأنه يحلم بأن ينهي حياته مزارعاً يربي الطيور والحيوانات في مزرعة بعيدة عن الضجيج، واكتشاف جمالية الحياة البرية وبكارة الطبيعة الأولى.